مثل اليوم قبل 72 عاماً حدثت ثورة يوليو في مصر، هل كانت ثورة تمثل تحركاً شعبياً كبيراً يزيل الحكم القائم ويؤسس نظاماً سياسياً واجتماعياً وسياسياً جديداً، مثل الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وثورة أكتوبر البلشيفية، ثم الإيرانية 79، أم كان انقلاباً عسكرياً؟ الذي حدث في تاريخ 23 يوليو كان تحركاً عسكرياً قامت به مجموعة من الضباط الأحرار اختلفت توجهاتهم، ولكنهم اتفقوا على فساد النظام الملكي وحكم الباشوات الإقطاعي «شبه الليبرالي»، وضرورة إنهائه بعد فضيحة حرب فلسطين.
اللواء محمد نجيب كان القائد الرمزي، إلا أن القائد الحقيقي كان اليوزباشي جمال عبدالناصر، الذي نحى نجيب جانباً وغيَّر ليس وجه مصر إنما المنطقة العربية والعالم الثالث بصورة عامة.
بعد قيام الثورة، ورغم أن عبدالناصر لم يُبدِ أي عداء نحو الغرب والولايات المتحدة، اتخذت تلك الدول موقفاً معادياً منه، عقيدة آيزنهاور الثابتة وأيام الحرب الباردة قوامها «إما معنا أو ضدنا»، ولا وسط بين الاثنين، بينما كان الزعيم المصري يسعى إلى الاستقلال في الموقف الدولي، وأسس فيما بعد مع نهرو وسوكارنو حركة عدم الانحياز في مؤتمر باندونغ عام 1955، لم ترتضِ الولايات المتحدة «عدم الانحياز» ذلك، فقناعة «باكسا أمريكانا» هي القاعدة، ومن يخرج عنها يكون مارقاً في عقيدتها السياسية.
د. فواز جرجس، في كتابه القيم «ما الذي حدث خطأ» (يا ليت يترجم للعربية)، يرى تشابهاً واختلافاً بين مصدق إيران وعبدالناصر مصر، فكلاهما كان يريد إصلاح الوضع في بلده، وتحريره من هيمنة الغرب وشركاته الاستغلالية في المنطقة، إلا أن مصدق كان مؤمناً بالروح الديموقراطية للحكم، بينما عبدالناصر كان يرفضها، باعتبار أن معركة التحرير وتحقيق العدالة الاجتماعية هي أولوية قبل الحريات السياسية، عبدالناصر كان ابن المؤسسة العسكرية، بينما مصدق كان وليد الفكر التقدمي وحكم الملكية الدستورية. وفي هذا اختلفا رغم اتفاقهما على تحرير بلديهما.
تألقت صورة عبدالناصر في أكتوبر 54 بعد إعلانه في الراديو عن نجاح اتفاقه مع البريطانيين على الانسحاب من قناة السويس، وجرت محاولة اغتياله في تلك اللحظة من قبل شخص ينتمي إلى الإخوان المسلمين، وهدر صوت عبدالناصر «دعهم يقتلوني... سيبقى صوتكم، وإذا مات عبدالناصر فكل واحد منكم سيكون عبدالناصر»... وبتلك البلاغة والشجاعة سطع نجم عبدالناصر، وعندها لم يكن هناك مكان لشعبية محمد نجيب، الذي كان مؤمناً بالديموقراطية.
وحدث تأميم شركة قناة السويس، ثم العدوان الثلاثي، وأخيراً هزيمة 67، التي أنهت الحلم القومي العروبي، ومات بعدها الزعيم في سبتمبر 1970، وانتهى الحلم العربي الكبير، ليبقى الفراغ الكبير في المنطقة، وانتهى عصر الثورة ليبدأ «الثروة»، بتعبير هيكل.