الجهود التي يبذلها الفريق المشرف على تدريب وتأهيل المقبولين في النيابة العامة أو الإدارة العامة للتحقيقات كبيرة وتستحق الإشادة، لدورها في تكوين شخصية المقبولين في الجهاز القضائي، وبطبيعة الحال ينعكس على جودة العمل، وصولاً إلى تحقيق العدالة الجنائية.
والواقع العملي يكشف جملة مشاهدات نتيجة العمل الذي يربط السادة المحامين بزملائهم الأفاضل في النيابة العامة أو الإدارة العامة للتحقيقات، ما يوجب معه التأكيد والتنبيه من القائمين على أمر الإشراف على تدريب وتأهيل المقبولين الجدد لجملة من القضايا، لما لها من أثر على منظومة التحقيق الجنائي.
ومن أهم تلك القضايا، التي يتعين التأكيد عليها عند القيام بواجبات التحقيق مع المشتبه فيهم، أن يكون عمل المحقق عند اتخاذ إجراءات التحقيق عملاً فنياً مرتبطاً بسلسلة من الإجراءات التي أكد عليها الدستور ونص عليها قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، ومن ثم ليس للمحقق من رأي أو موقف إيجابي أو سلبي في القضايا التي يتولى التحقيق فيها، وليس من واجبه ولا من المهمة التي يقوم بها الضغط على المشتبه فيهم أو دفعهم إلى الاعتراف أثناء التحقيق أو توجيه ضباط التحري للقيام ببعض الأدوار في القضية.
وما يتعين التنبيه عليه على السادة المحققين الحرص على تمكين المشتبه فيهم من الحديث فيما يشاؤون من آراء وأفكار ودفاع يعبرون عنه أثناء فترة التحقيق، وليس لهم الحق في رفض ما يرغب المشتبه فيهم إبداءه في محضر التحقيق أو طرحه مادام كان معبراً عن وضعه النفسي أو الجسدي أو ما تعرض له أثناء فترة ضبطه من رجال الأمن أو رغبته في طلب عرضه على لجنة أو مشفى أو طلبه باستدعاء أحد الشهود.
كما يتعين أن يحرصوا على إثبات ما يطرحه المشتبه فيهم بمحضر التحقيق من أقوال وآراء كما صدرت منه لا كما يعبر عنه السادة المحققون، سواء كان بتصرف منهم أو اختزالاً للوقائع بما قد يخل بالمعنى الذي يرغب المشتبه فيه إيراده في التحقيق، فأمانة الإثبات والتدوين لأقوال أطراف الدعوى الجزائية أمر فائق الأهمية والدقة معاً، لاسيما أن تلك الأقوال ستكون حجة على من أدلى بها أمام المحاكم الجزائية حال نظرها المحاكمة.
ومن الواجبات، التي يتعين على السادة المحققين الالتزام بها هو أن يستفسروا من المشتبه فيهم وقبل التحقيق معهم إن كان لديهم محامٍ أو مدافع يرغبون في حضوره للتحقيق معهم وأن يكون هذا الطلب من المحقق مدوناً في محضر جلسة التحقيق حفاظاً على حقوق المشتبه فيهم أثناء فترة التحقيق.
ويتعين من المشرفين على أمر التدريب والتأهيل للمحققين التأكيد على المهمة التي يقوم بها المحامي عند حضور التحقيق مع المشتبه فيهم أو الدفاع عنهم أمام جهات التحقيق أو المحاكم الجزائية، والتأكيد على أن حضور المحامي لجهات التحقيق هو حق أصيل للمشتبه فيهم وواجب على جهات التحقيق التقيد به، وأن دور المحامي هو التأكد من توفّر كل الحقوق والضمانات القانونية التي يتعين على جهات التحقيق توفيرها واستيضاح بعض الأسئلة الموجهة من المحقق إلى المشتبه فيهم وإثبات الإجابات، كما يقررها المشتبه فيهم لا كما يعبر عنها المحقق.
كما يتعين التنبيه على السادة المحققين بأن رفضهم لدور المحامي واعتبار بعضهم لدوره بأنه سلبي ولايحق له الحديث أو استيضاح بعض الإجابات أو تثبيت بعض الطلبات هو أمر مخالف لأحكام الدستور والقانون.
كما أن فكرة إثارة الأقوال الصادرة من الشهود للمشتبه فيهم بشكل مقتطع أمر ينافي أصول التحقيق الحيادي عند قيام وكلاء النيابة بإجراء مواجهة الأقوال، فليس من حق المحقق أن يستقطع بعض الأقوال ويواجه بها المشتبه فيهم بغية الإيقاع بهم في التحقيق، في حين أن الحياد يستدعي طرح كل عناصر المواجهة الصادرة من الشهود إلى المشتبه فيهم سواء كانت تلك الإفادات صادرة من الشهود بحق المشتبه فيهم تفيدهم أو تضرهم، حفاظاً على ضمانات التحقيق.