أحمد الزمام: في «الاستدارة الأخيرة» تغلّبت على اعتيادية الأسلوب
أكد أن الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد الذي يحرك جمود الواقع
أصدر الروائي أحمد الزمام مؤخراً رواية «الاستدارة الأخيرة» الصادرة عن دار رشم بالتعاون مع دار ميلاد. ووجه الزمام جزيل الشكر والتقدير لوزيرة التربية والتعليم في الجمهورية التونسية د. سلوى العباسي لاهتمامها بقراءة العمل وكتابة كلمة الغلاف، وذكرت فيها أن «الاستدارة الأخيرة» كتابة مغامرة تستعيد طقسيّة البدء وطفولة الرواية وإيقاع الملاحم في العصور الغابرة وتحاكي حكايات الشعوب في كلّ زمان ومكان. وما أشبه الرواية بالحكاية «تصونها ذاكرة الجدّات»، و«الحكاية وإن أصاب مفاتيحها الصدأ» تظلّ «صناعة عبقريّة من محض خيال الحكّائين لا يجيدها المدوّنون» «أشبه بكرة ضخمة من الخيوط المعقّدة» «تيه عن البدء» دخول مستراب «إلى ممالك النساء» وقد كان لا بدّ لهنّ من «قتل الرجال، كلّ الرجال» ليصرن ملكات. بل هي رواية الأجناس مجتمعة، لا الجنس الواحد فيها آثار من الملحمة تماحك التاريخ المخيّل بالحقيقيّ وتعريّ زيف صحائفه وتفضّ جلاميد صفائحه.
وهم المثالية
وتضيف العباسي في كلمتها: «تحاكي «الاستدارة» التاريخ ولا تماهيه. فهي ساكنة فيه، مفارقة إيّاه لأنّها رواية مرموزة بإتقان. الشخصيات فيها منتقاة بدقّة، لكن بلا أسماء ولا هويّة، هي مجرد كنى وصفات القصد منها مداناة حقائق الإنسان كما هو، بلا إفراط في وهم المثالية.
يتنامى الحدث في «الاستدارة» متذبذبًا، دائريًّا، متوتّرًا، مدوّرًا متكوّرًا على ذاته، حتّى يبلغ نهاياته. لكنّه سرعان ما يرتدّ على أعقابه مفسوخًا من كلّ إحالة مرجعيّة تشفي الغليل.
تصل الاستدارة إلى ذروتها و«ساعة صفرها»، بعد أن خطا البطل كلّ خطواته البهلوانيّة، سائرًا كلاعبي السيرك على حبال العبث والتيه».
غرائبية عجائبية
ونقلًا عن دار النشر: رواية الاستدارة الأخيرة رواية غرائبية عجائبية تحاكي التاريخ وتناقش مسألة الجندرية بطريقة مختلفة وذات منزع درامي.
رواية تدور أحداثها في عالم خاص تنتقل بين زمن البطل وأزمنة حكاياته، وهو كاتب شغوف بالحكايات وباحث عن حقيقة التأريخ وعملية تدوينه.
يعيش في مملكة تحكمها النساء وسلطتهن على الرجال. يصل في بحثه بعد عناء إلى حقائق وصول النساء إلى السلطة وحكمهن المطلق، مرورًا بحكايات الصراع الجندري على مر الأزمنة، وما تركه من أثر على العالم.
وفي حديث «الجريدة» مع الزمام حول إذا يتبع أسلوب معين في كتاباته يجيب:
«أعتقد أن أسلوب الكاتب يميّزه القارئ، فهو وحده الذي يمتلك تلك المهارة، ويرى ما لا يراه الكاتب في نصه. قد يكون السؤال الذي يشغل الكاتب: هل ناسب الأسلوب الفكرة؟ وهنا يمكنني القول: الكاتب في حالة دائمة من المحاولة لضبط الأسلوب الذي يتناسب مع فكرته. وربما يقع الكاتب في فخ التكرار دونما شعور، سواء كان التكرار في الفكرة أو الأسلوب، فلا تطوّر أو تميّز ملحوظ يراه القارئ. وفي الحقيقة، أشعر أنني في روايتي «الاستدارة الأخيرة» قد تغلّبت على اعتيادية الأسلوب في الروايات السابقة، وربما يعود سبب الشعور لشقاء المحاولة لأربع سنوات من كتابة الرواية. وهو شعور لازمني في أثناء الكتابة وقراءة المخطوطات، وبالطبع لن يتغلّب شعوري على عين القارئ، لذلك سأترك الحكم له».
العالم الأسمى
وعن الذي يجذبه نحو عالم الرواية يقول الزمام: «أجده العالم الأسمى. وفيه يمكنني مواجهة الواقع بحرية، كشف الغطاء عن شكله، ومحاكمته، والدفاع عنه، ومشاكسته، والسخرية منه، وأمارس فيه شغب الأطفال. أميل إلى أن الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد الذي يحرك جمود الواقع ويحرر الإبداع منه».
وعند سؤاله هل يوافق على أن شخصيات الكاتب تحمل جزءًا منه يجيب: «أجل، وأرى من الصعب التخلّص في أعماله الأولى من عرض جُل جوانب شخصيته، فينصب نفسه بطلًا، أو يقوم بتوزيعها على شخصياته الروائية، وهذا الابتداء طبيعي في أثناء ممارسة الإبداع، ويقل العرض تدريجيًا وعزل شخصيته عنهم، ويصبح أكثر نضجًا في أعماله اللاحقة من بناء أو تكوين شخصياته الروائية، ولن يتخلص تمامًا من هذا الاستحواذ الخارج عن سيطرته، وسنشعر بوجود أجزاء منه في بعض الأحداث. وقد يرحل الكاتب عن عالمنا، ولا نعرف في أي شخصية من شخصياته كانت تعكس شخصيته الحقيقية، والذي فضّل لها البقاء في عالمه الروائي، وأميل إلى أن عمق النفس وغموض نواة الخيال، تدفع الكاتب بلا شعور إلى ترك جانب يجهله من شخصيته في إحدى شخصياته المتخيلة».