رجالٌ على الرف

نشر في 26-07-2024
آخر تحديث 25-07-2024 | 18:42
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

ما زلت أتذكر أيام البلوغ، تلك المرحلة المضطربة الهوية التي زادها علماء التربية الحديثة وعلماء السلوك اضطرابا، بتسميتها مرحلة المراهقة، وهي تسمية مغلوطة.

كلنا مررنا بهذه المرحلة الفاصلة، التي شعرنا بها فعليا بخروجنا من سن الطفولة ودخولنا عالم البالغين، وانكشف الستار، وصرنا نرى ما يراه الرجال، ونلاحظ ما يلاحظون، ونعشق ما يعشقون، وقد كان بعض أقراننا تظهر عليه علامات البلوغ الأولية كخشونة الصوت وبروز شعر الوجه، ومع ذلك لا أحد يعترف بنا! لأن تصرفاتنا عفوية وتعبيراتنا طفولية.

كان أكثر ما يهون علينا تلكم المرحلة هم أقراننا «البالغون الجدد»، الذين عاشوا معنا المعاناة ذاتها في «فترة التيه»، التي طال فيها الاعتراف بنا، كنا بحاجة لقدوة يصاحبنا، أو يهذّب تصرفاتنا برفق وذكاء.

عزيزي القارئ، إن نقل الفكر التربوي الأجنبي يجب ألا نتعامل معه كنقل البضائع والسلع! فقد ابتدع الغرب فئة عمرية مبتكرة من سن 13 إلى 19 وعمم عليهم أوصافاً صبيانية، وأسماهم «Teenage»، ثم قمنا نحن بترجمتها «المراهقة» والتسليم بصحة هذه الفكرة، التي خلقت بيننا وبين أبنائنا البالغين حاجزا يعوقنا عن مواصلة التربية بشكلها الطبيعي، الذي توارثناه من ثقافتنا العربية وديننا الحنيف.

فقد صنّف أغلب الفقهاء وعلماء التربية الأوائل المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان من النطفة إلى أرذل العمر بأوصافٍ دقيقة للغاية، حتى تأخذ حكمها الشرعي الصحيح، فالطفولة تبدأ عندنا بثلاث قطع زمنية، أولها مرحلة النشء أو الطفولة، وهي ما قبل السابعة، ثم التمييز وهي مرحلة ما بعد 7 إلى 10 سنوات، ثم مرحلة المراهقة أو المناهز للاحتلام التي تبدأ من 10 سنوات وتنتهي بأقصى حد 15 سنة، وأما إذا أكمل المراهق سن البلوغ قبل 15 سنة، فقد صار بالغا مكلفا، والسؤال المهم: إذا كان رب العالمين قد اعترف به شابا بالغا مُكلّفا من لحظة بلوغه، فكيف لنا أن نسلب منه هذا الحق وهذا الشرف؟ً «شرف الخطاب الإلهي والتكليف».

إن ما يحدث في عالمنا المعاصر هو هدر لمرحلة حرجة، فنحن لا نُحمّل البالغين مسؤوليات الرجال، ونتركهم أغلب أوقاتهم مع أقرانهم قليلي الخبرة، وهذا بلا شك يطيل فترة الطفولة، أو «فترة التيه» التي ابتدعها علماء الغرب «Teenage» التي تم تمديدها بحسب الدراسات الأخيرة إلى سن 24! فهل سنساير الغرب على هذا التمييع؟ أم ننتظر أن تصل البحبوحة إلى سن 30؟ ومن أراد التوسع بالموضوع أنصحه بقراءة كتاب «دعه فإنه مراهق».

أعزائي الآباء والأمهات، أرجو منكم الانتباه، ففي بيوتكم رجالٌ بلا خبرة، وأُمّهاتٌ بلا أولاد، فأحسنوا صحبتهم.

back to top