عندما أطل القرن الـ20 برأسه الذي يقدح شرراً على البشرية وجد العالم نفسه غارقاً في حروب متتالية وانقلابات وثورات واسعة النطاق سقطت على إثرها أنظمة سياسية على رأسها بعض الأنظمة الملكية، وذلك تحديداً في روسيا القيصرية والمملكة العراقية، حيث لم يكتف الثوار والانقلابيون في كلا البلدين بإسقاط نظام الحكم، بل امتد الأمر إلى قتل رموز وأفراد العوائل المالكة هناك.
القصة بدأت في الإمبراطورية الروسية وتحديداً في الوقت الذي قررت فيه روسيا أن تدهن نفسها باللون الأحمر معلنة بداية عهد جديد في حياتها السياسية، ولإثبات حلاوة البدايات بصحبة الرفيق لينين كانت الأسرة المالكة هي القربان الأمثل لتتويج تلك الثورة الفتية.
عائلة رومانوف آخر قياصرة روسيا والمكونة من القيصر نيقولا الثاني وزوجته وأولادهما الخمسة جرهم حظهم التعيس الى الحكم في تلك الحقبة، فمنذ قيام الثورة عام 1917 تم وضع العائلة تحت الإقامة الجبرية، حيث ظلت تتنقل بناء على الأوامر العليا حتى استقر بها الأمر في بيت إيباتييف في جبال الأورال وفي ليلة 17 يوليو 1918م تم إيقاظ أفراد العائلة وإنزالهم إلى قبو المنزل لانتظار وصول العربة التي ستقلهم الى مأوى آمن. جمعت العائلة في غرفة صغيرة وتم إيهامهم بأنه سيتم أخذ صورة فوتوغرافية لهم كإثبات من القيادة العليا أمام الملأ بأن الأسرة لاتزال على قيد الحياة، وبالفعل تم الاصطفاف لوضعية التصوير بعدها فتح الباب ليدخل مجموعة من ضباط الجيش الأحمر حاملين أسلحتهم ويبدأ إطلاق النار على الجميع وسط صراخ وعويل يصم الآذان، وحين ساد الصمت سحبت الجثث الى حفرة في أحد المناجم المجاورة، وتم إشعال النار فيها لتطوى بذلك صفحة القياصرة من تاريخ روسيا بأبشع ما يكون.
ومن روسيا إلى العراق وتحديداً في 14 تموز (يوليو) 1958 وهو اليوم الذي قررت فيه مجموعة من الضباط الأحرار في الجيش العراقي العزم على إنهاء العهد الملكي فوق أراضيها يقودها في ذلك كل من عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف، حيث أسندت مهمة مداهمة قصر الرحاب الذي يقبع فيه حينها الملك فيصل الثاني ذو الـ23 ربيعاً وخاله الوصي على العرش عبد الإله وثلاث من الأميرات الى اللواء 20 الذي استطاع محاصرة القصر بالسلاح ورميه بالمدفعية، وبعد التفاوض نزلت العائلة عن حكم العسكر ليتم بعد ذلك إخراجها ومن كان معها من الحاشية الى حديقة القصر في مشهد تفوح منه رائحة الخوف، حيث كان الجميع مصطفين في طابور تتطاير أعينهم في وجوه العسكر لعلهم يجدون جواباً حول مصيرهم الذي بات في كف عفريت غاضب.
ووسط تشنج الموقف وحنق الثوار تنطلق رصاصة طائشة لتصيب أحد أفراد ذلك الطابور لتبدأ بعدها حفلة إطلاق النار من سلاح رشاش أردت الجميع قتلى، وأخمدت أنفاسهم إلى الأبد ما عدا إحدى الأميرات وأفراد من الحاشية الذين كتبت لهم النجاة، ليدخل بعد هذه المذبحة الهاشمية العراق في أحضان الحكم الجمهوري، ويسدل الستار على الملكية بهذه الطريقة الوحشية.
عاش الملك... مات الملك، قد يختلف الزمان والمكان وقد تختلف الظروف والمآرب في كل من ثورة روسيا وانقلاب العراق، إلا أن الاثنين اجتمعا في انتهاج الطريقة البشعة المخزية الملطخة بالدماء ذاتها، ألا وهي تصفية أفراد العوائل المالكة على أراضيها في مجازر دون تقديمهم لمحاكمات عادلة، وهي خيبة لا تزال حكومات وشعوب تلك المناطق تشمئز منها الى يومنا هذا.