«غير أن شعبنا سيلد ثورة جديدة وينجب حركة أعظم شأناً من حركتنا، وقادة أكثر دراية وتجريباً وأشد خطراً على الصهاينة، فإرادة الفلسطينيين التي لا ترد في مواصلة المعركة كائناً ما كانت الظروف، هي حقيقة لا تأتيها الريبة من بين يديها ولا من خلفها، بل إنها إرادة تمليها طبيعة الأشياء، ونحن عازمون على البقاء كشعب، وسيكون لنا ذات يوم وطن».

بهذه الجملة الثورية يختم الشهيد صلاح خلف «أبوإياد» كتابه الموسوم «فلسطيني بلا هوية»، متنبئاً بميلاد ثورة (طوفان الأقصى) الوطنية الشعبية، تنفجر من الداخل الفلسطيني المحتل بعد أن استنفدت الجماهير كل الحلول السلمية، متجاوزة المقترحات والعروض الاستسلامية والاتفاقيات العربية– الإسرائيلية كافة. (التطبيع).

Ad

لم يبق لهذا الشعب الأبي سوى إرادته وفرض حلوله فرضاً مهما كلفت بشرياً ومادياً، فقد دوّلت قضيته لتضيّع عمداً في دهاليز المنظمات الدولية وتغيّب في متاهات السياسات العربية، الوعود العربية منذ ما قبل حرب عام 1948م وأثناءها لم تكن سوى سراب خادع وسحابة صيف عابرة، وُعِدوا بجيوش جرارة تسترد لهم أراضيهم المغتصبة، لكنها انسحبت– ستة جيوش عربية– بعد أيام معدودة من وصولها مشارف «القدس» تحت ما يسمى الهدنة الأولى والهدنة الثانية، ليعاود الصهاينة بعدها التوغل في مجازرهم وتهجيرهم لأصحاب الأرض.

من الطبيعي أن تفشل الإضرابات والثورات الفلسطينية ضد الصهاينة منذ انطلاقاتها عام 1919م حتى 1936م، آنذاك تخلت الأنظمة العربية الفاعلة عن إمداد الثوار بالسلاح والعتاد والمال، وتشابكت مصالحها وأطماعها الدكتاتورية مع المصالح الإنكليزية وتحالفت معها علناً، فيكفي أن سارع النظام الأردني بضم الضفة الغربية لسلطانه، بينما الملك فاروق في مصر وضع مدينة غزة تحت سلطة الإدارة المصرية، والحكومة الفلسطينية الشكلية المعيّنة في غزة تم إجهاضها منذ اليوم الأول، ومع ذلك فإن التقصير الفاضح لبقية الأنظمة العربية والخيبة في الحماية والدفاع عما تبقى من أرض فلسطين– الضفة الغربية وغزة– بعد العدوان الصهيوني عام 1967م، قطع الطريق على آمال الشعب الفلسطيني بالاستقلال الناجز، وأدى لضياع فرصة تاريخية لا تعوض بقيام دولة فلسطينية مستقلة مدعومة عسكريا وسياسيا من الدول العربية والإسلامية.

إن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م من قادة العرب لم يكن الهدف منه سوى تكوين كيان فلسطيني ثوري يتم التحكم في قياداته ومفاصله وقواته (جيش التحرير الفلسطيني) الذي كانت قياداته عاجزةً حتى عن إصدار قرارات التعيين أو النقل لضباطه بين الوحدات، وكان أحمد الشقيري رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن كان سفيراً للمملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة.

المقاومة الفلسطينية متمثلةً بطوفان الأقصى تمثل فرض سياسة الأمر الواقع بالطَعم الفلسطيني، وهو خيار تذكرة باتجاه واحد، خاصةً وقد صوّت الكنيست الإسرائيلي قبل أسبوع وبالإجماع لمصلحة مشروع قرار يعارض إقامة دولة فلسطينية بجانب الدولة اليهودية، مؤكداً سياساته الفاشية ومحرضاً قواته التي تواصل «محرقة غزة» التي ستبقى عاراً وشناراً في تاريخ الإنسانية، يستحيل إنكارها أو طمسها مهما حاولت وسائل الإعلام الصهيونية والأوروبية الغربية اختراع مبرراتها والتدليس بأسبابها، وحتماً ستساءل أنظمة تسلت عنها بكل سفاهة وضِعة.