طالما أن الدولة تعاني عجزا في ميزانيتها، فلنغلق دوائر الجنايات بالمحاكم ونوفر رواتب القضاة والمستشارين ومساعديهم، ونكتفي بالإبعاد الإداري للوافدين مرتكبي المخالفات والجرائم، ونبقي دائرة واحدة أو اثنتين فقط لمحاكمة الكويتيين والذين أظن أن أغلبهم يرحب بالإبعاد الإداري أيضاً عوضاً عن السجن إن حصل له.
السلطة القضائية أحد السلطات الثلاث بالدولة، إحداها معطلة حالياً، والتوسع بالإبعاد الإداري يعطل من عمل السلطة القضائية جزئياً، ناهيك عن ضمانات العدالة وحق الدفاع للمتهمين وحاجة الإنسان للشعور بكرامته وقيمته وإنسانيته، فمن حق كل من جاء للعمل في «بلد الإنسانية» أن ينال محاكمة عادلة في حال اتهامه بجريمة ليقدم دفاعه وينال عقوبته ومعه الإبعاد القضائي إن أدين، أو تبرأ ذمته ليكمل حياته ويمارس عمله بأمان واطمئنان على مستقبله وأسرته، أما التوسع بالإبعاد الفوري من دون ضوابط محددة ودقيقة، فإما أن يكون منجاة لمن يستحق العقاب أو ظلماً لمن لم يرتكب ما يستوجب إنهاء مسيرته العملية في البلاد، ثم إن مثل هذه الحالات لها تبعات أخرى إنسانية وقانونية قد لا ينتبه لها متخذ قرار الإبعاد، كالوضع الدراسي لأبناء المبعد أو المطالبات المالية والقروض التي يجب عليه سدادها للدائنين أو البنوك، أو غير ذلك من التزامات وحقوق.
في الكويت الحبيبة وفي درجة حرارة تناهز الـ 60 درجة مئوية عليك ألا تضحك ولا تبتسم ولا تغني وأنت تمشي، لأن الشرطة ستقبض عليك فوراً لكونك في «حالة غير طبيعية» وكأن الطبيعي أنك تكون «مقلدم ومعصب وعاقد النونة» وما ترد السلام، وبعدها سيتم تفتيشك واتهامك رغم أنف ضمانات وضوابط وإجراءات الضبط والتفتيش وأحكام محاكم التمييز التي لم تتوقف عن إبطال الأحكام وإرساء القواعد، فإذا كنت محظوظاً فستحال للمحاكمة، أو سيتم إبعادك من غير رجعة، بينما فعلياً هذه هي «الحالة غير الطبيعية» المستوجبة للإبعاد فوراً عن العقلية الأمنية.