في ظلال الإسلام: تجديد الفكر الديني الكويت نموذجاً... دستوراً وواقعاً (2-2)
وعدت القراء في مقالي على هذه الصفحة، تحت العنوان ذاته، بعد المقدمة التي تناولت فيها تجديد الخطاب الديني، وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بأن أستعرض معهم، مقتطفات من تجديد الخطاب الديني، في الكويت، دستوراً وواقعاً.
مصر والكويت والإخوان المسلمون
بعد أن وضعت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ، تقريرها عن مشروع القانون المدني، عرضته فيما يشبه الاستفتاء على الجهات القضائية والمشتغلين بالقانون، بعد أن أرسلت اللجنة لهم تقريرها مرفقاً به المشروع، عقدت اللجنة اجتماعاً دعت إليه المعنيين من هذه الجهات، في جلستها السادسة والخمسين المعقودة في 30/5/1948، حيث كان من بين المستشارين الحاضرين المستشار حسن بك الهضيبي، الذي لم يكن قد أبدى ملاحظات على المشروع مثل غيره من المستشارين، الذين حضروا، بل حضر اللجنة ليبدي رأيه شفاهة، حيث قرر حسبما جاء في محضر اللجنة: «إن لي رأياً يعد بمنزلة اعتقاد لدي لا يتغير... وإن التشريع في بلادنا يجب أن يكون قائماً على أحكام القرآن وسنّة رسول ﷺ، لأن طاعته من طاعة الله، وإنه يجب أن يكون هذا التقنين صادراً عن أحكام القرآن والسنّة، وإلا فيجب أن نرفضه... من أجل هذا لم أشترك في مناقشة مشروع القانون لأني أعتقد أنه غير مبنيّ على هذين الأساسين، فخطأه وصوابه عندي سيان».
ولما سأله الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك وإن سكت عن أمر ما؟ أجاب الهضيبي بك، بأن الأمور في الشريعة أمر ونهي وعفو... والعفو من الأمور المباحة التي يمكن لولي الأمر أن يصدقها كما يشاء على ما تقضي به المصلحة، (وجدير بالذكر أن المرحوم حسن الهضيبي، كان المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بعد اغتيال الشيخ حسن البنا، رحمه الله).
أما التيار الإسلامي في الكويت، والذي له تأثيره على أغلب القرارات التي تصدرها السلطة التشريعية، ومن بين أعضائه، جماعة خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، فإنه لم يقف الموقف السلبي، الذي وقفه المرحوم المستشار حسن الهضيبي بك، فأضاع على مصر فرصة سانحة لتجديد الخطاب الديني والمتمثل في الفقه الإسلامي، الذي وقف موقف الجمود من المصالح المرسلة، في مواجهة مستجدات العصر بالمشاركة، في هذا العمل الرائع الذي أنجزه الفقيه العظيم الراحل د. عبدالرزاق السنهوري.
وقد أخذ القانون المدني من أحكام الشريعة الإسلامية الكثير من نظرياتها العامة، وحاذاه في ذلك القانون المدني الكويتي وغيره من قوانين مدنية في الدول العربية، إلا أن التيار الإسلامي في الكويت كان أكثر بصرا وبصيرة بالمصالح المرسلة، وهي مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، الذي لا يقتصر على القرآن والسنّة، كما قال المستشار الراحل الهضيبي بك، وإن كانا في الصدارة منها، فقد ناقش التيار الإسلامي في الكويت مشروع القانون المدني، المأخوذ من القانون المدني المصري وأقره بالمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1960، عند عرض عليه لإقراره إعمالا للمادة (71)، من الدستور وينص هذا القانون في المادة الأولى من قانون إصداره على أن: «يلغى العمل بمجلة الأحكام العدلية، ويستعاض عنها بالقانون المدني المرافق لهذا القانون».
ومن الجدير بالذكر:
1- أن مجلة الأحكام العدلية، التي ألغيت في الكويت، ليحل محلها القانون المدني، هي المجلة التي اشتملت على أحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات المأخوذة من مذهب الإمام مالك، وقد كان معمولاً بها قبل صدور القانون المدني.
2- أن اللجنة العليا لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، التي شكلها الأمير بعد عودة الحياة النيابية، في تجديد الخطاب الديني قد انتهت إلى تعديل أحكام هذه القانون باعتباره استكمالاً لأحكام الشريعة الإسلامية، والذي عدل بالقانون رقم 15 لسنة 1996، وفقاً لقرار هذه اللجنة، وقد اقتصر هذا التعديل على بضع فقرات ومواد لا تجاوز خمس عشرة مادة من 1082 مادة، وهي تعديلات، كانت موضع خلاف بين الفقة الإسلامي ذاته.
3- أن نابليون، كان يشارك في مناقشة وإعداد مشروع القانون المدني، وهو الذي أصدره، وسمي باسمه، وقد قال «إنه يفخر بصدور هذا القانون، الذي يعتبره إنجازاً له أكبر من كل الحروب التي خاضها».
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.