قبل مدة قريبة كتبت عن مواصلة أفراد الشرطة انتهاك حقوق الأفراد، أو الوافدين بشكل أدق، وذلك بتفتيشهم دون مبرر أو سبب قانوني، وكيف أن وزارة الداخلية تفخر بهذه الانتهاكات، عبر نشرها علناً في الصحف. أحد المعنيين بالعمل السياسي عندنا، ممن ينظرون ويخططون لـ «صالح» هذا البلد، انتقد انتقادي، بل مضى إلى أبعد من ذلك، داعياً «الداخلية» إلى الاستمرار في انتهاكاتها وتصديها للوافدين، الذين، لسبب ما، أزعجوا السياسي المعتق.

أمس نُشر أن محكمة التمييز برَّأت مواطناً من حيازة المخدرات، لأن والده - لاحظ والده، وليس شرطياً - فتش غرفته من دون إذنه.

Ad

أعتقد أن هذا الحُكم انتصار من القضاء الكويتي للحقوق الشخصية، وصيانة لكرامة الفرد واستقلاليته، حتى عن والده. وهو تعبير واضح وجلي عن رُقي نظامنا الديموقراطي وتطوُّر مجتمعنا، وارتقاء لا لبس فيه لقضائنا، وفي انتصاره المحمود وحمايته لحقوق الأفراد في مواجهة السُّلطات العامة، رسمية أو شعبية.

كثير من الناس سيجد في هذا الحُكم تناقضاً، وربما تعدياً على موروثنا أو عاداتنا وتقاليدنا، التي تعطي للسُّلطات العامة، سواء في المجتمع أو حتى في البيت، مثل الوالدين، وصاية أبدية خالصة على الأفراد وعلى نشاطهم الاجتماعي.

هذه، مع الأسف، تأثيرات ورواسب موروثنا الخاطئ، الذي حملناه من مجتمعات الأمس، ومن عقائد وتقاليد الحياة البدائية والقديمة التي لم تعد تناسب حياة اليوم.

العصر الحالي، ومجتمعاتنا «الرأسمالية» هي مجتمعات فردية، تعزز مكانة الفرد وحقوقه، وتلغي بشكل واضح سُلطات الهيئات والمؤسسات القديمة، مثل: القبيلة، أو الأسرة، وحتى الكنيسة، والبيت، وبالطبع الدولة، أو مؤسسات الحكم بشكل خاص، على الأفراد.

إن حقوق الأفراد وكراماتهم عندنا تُنتهَك، في الغالب بحُسن نية، أو بجهل فاضح بالحقوق القانونية والدستورية لهم. فكثير منا لا يزال يعيش أوهام الماضي، ولا يزال، كحال السياسي آنف الذكر، واقعاً تحت هيمنة الأفكار والعقائد التي عفى عليها الزمن، حيث التمييز والاضطهاد لمن لا حول ولا قوة له هو السائد.

لكن من حُسن حظنا أن لدينا قضاءً واعياً لهذه الحقوق، وملتزماً بصونها، كما يبدو جلياً من حُكم محكمة التمييز المُشار إليه.