في مقال سابق تحت عنوان «المحولات البشرية» ذكرت أنه في غمرة الحياة وفي غفلة من الزمن، وفي ظل كثرة التغييرات الإدارية وكثرة التشكيلات الحكومية تم تعيين بعض القيادات غير المؤهلة في عدة مناصب إدارية وفنية حساسة ورفيعة المستوى، وأن أغلب هذه القيادات البراشوتية محدودة القدرات والخبرات والتأهيل العلمي! ولا يملكون مهارات أو صفات قيادية أو مهارات شخصية أو سلوكية أو فنية تميزهم عن المواطن العادي! بل إن بعض صفاتهم وسلوكياتهم تتعارض مع المناصب الموكولة إليهم!

وقد أوجدت هذه القيادات البراشوتية حولها ما أطلقت عليه «المحولات البشرية» وهي مجموعة من الموظفين والأصدقاء والأقرباء والتابعين من جنسيات عربية وغربية حسب الحاجة وطبيعة الوظيفة القيادية وتتمتع هذه «المحولات البشرية» بمزايا وظيفية لا تتوافر لمعظم الموظفين الكويتيين ومهمتها الأساسية هي التطبيل والدفاع عن الشخصية القيادية وحمايته والقيام بكتابة خطبه وتقاريره الإدارية والفنية وهم حاملو أختامه وكاتمو أسراره والآمر والناهي وأصحاب القرار النهائي وأمرهم مطاع ومهاب في الجهة الحكومية التي يعملون فيها لقربهم من صاحب القرار وولائهم للقيادي، إذ يمجدونه في كل محفل، ويمدحونه في كل خطوة يخطوها، وفي كل عمل يقوم به، ويغطون على مساوئه وقراراته المغلوطة، وينقلون إليه المعلومات والأسرار والأخبار عن كل صغيرة وكبيرة في الجهة التي يعملون فيها، هدفهم وهمهم بقاء صاحبهم القيادي في منصبه أطول مدة ممكنة حتى يضمنوا استمراريتهم في أداء دورهم وعملهم «المحولاتي» واستمرار المزايا والمنافع الشخصية أطول مدة ممكنة.

Ad

وكما هو معلوم فليس عيباً أن يكون للقيادي مساعدون ومستشارون يرجع إليهم عند الحاجة، بل إن ذلك أمر مرغوب ومستحب في العمل الإداري، ولكن أن يكون القيادي غير مؤهل لهذا المنصب ومغيب تماماً عما يدور ويتم عمله بالجهة التي يرأسها، ويترك الأمر لأعضاء شبكة «المحولات البشرية» فذلك هو الخلل المفسد للإدارة وللعمل الإداري في الوزارات والأجهزة الحكومية!

وقد تطورت شبكة «المحولات البشرية» مع التطور العلمي والتكنولوجي والرقمي بعدة أنواع وأشكال ومهام من المولدات والمحولات البشرية حسب ما تتطلبه القيادات والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات التكنولوجية والفنية ولم تتوقف عند منصب ووظيفة القيادة الإدارية بل إنها انتقلت لمعظم الوظائف الإدارية والفنية في مختلف ومعظم المستويات الإدارية!

وأحب أن أؤكد وأوضح مرة ثانية أنه ليس عيباً أن يستعين القيادي ببعض المستشارين والمساعدين لمساعدته في أداء مهامه الوظيفية، بل إن ذلك مرغوبٌ مستحب في العمل الإداري الجماعي لكن المشكلة هي عندما تكون هذه «المحولات البشرية» غير مؤهلة وغير أمينة، ويكون القيادي كذلك غير مؤهل، ومغيباً تماماً عما يدور ويتم عمله في الجهة التي يرأسها.

وإن ظاهرة «المحولات والمولدات البشرية» أصبحت تجارة رابحة في ظل غياب نظام التصنيف والتوصيف الوظيفي وغياب وجود أسس ومعايير واضحة ودقيقة لاختيار القيادات الإدارية وضعف الرقابة الإدارية وكثرة المتسلقين والمنافقين وتلاقي المصالح الشخصية في زمن الانتهازية وغياب الشفافية.

أتمنى أن نحدّ من سرطان «المحولات والمولدات البشرية» الذي بدأ ينتشر ويتغلغل في معظم أجهزتنا ومؤسساتنا في القطاعين الحكومي والخاص، حتى نتمكن من وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، واختيار القيادات الإدارية والفنية الكفؤة والمؤهلة التي تسهم في تحقيق أهدافنا التنموية بكفاءة وفعالية.

ودمتم سالمين.