أزقة الحوارات المتعصبة... بل ربما الجاهلة *

نشر في 29-07-2024
آخر تحديث 28-07-2024 | 19:01
 خولة مطر

هناك كثير من «الفلاتر» للكلمات أو الأفكار، حيث يستخدمها بعضهم أما الآخرون فيقومون بتكديس التعابير التي يجرون نحوها لتنقذهم وقت تضيق الكلمات وتتبعثر الأحرف ويتلعثم اللسان، كلما سخن الحوار أو تحول إلى مجرد أفكار تتصارع أو «وجهات نظر» تزحم فضاء الجلسة، هنا تسقط «الفلاتر» أو يقوم بعضهم بالاستعانة ببعض «الرداحين» على وسائل التواصل الذين يحملون صفات مختلفة ومنها وليس حصراً، الخبير، الاستشاري، المحلل، المختص، الدكتور، الباحث، و... و...، كم تنوعت الألقاب وتحولت إلى قوائم تختار منها ما يبعث على ما يتصوره البعض أنه يشير إلى مصداقية حامله، أي حامل اللقب.

يتعرج الحوار ويسخن ثم يهدأ، وفجأة تسقط كل الأقنعة بل يجد المستمع نفسه في الدهاليز المعتمة بعض الشيء للمتحدث، فجأة أيضاً يتحول المختص إلى مجرد رجل أو امرأة عاديين، بل ربما مثل الكثير من الجهلة، أو غير المتعلمين أو حتى الموهومين أو المشعوذين، يستخدمون تعابير هي أقرب إلى «السوقية» أو «الشوارعية» ثم يحاولون تغليفها بألوان زاهية مما سمعوه في مؤتمر أو ندوة أو حوار تلفزيوني أو ربما مجرد عنوان لصحيفة صفراء جداً، ألم تتحول معظم صحف العالم بعد السابع من أكتوبر إلى صحف صفراء كتلك التي درسناها في السنة الأولى من الجامعة في قسم الإعلام والصحافة؟!

يفضل الكثيرون منا أن تمر حواراتهم على تعابير تبدو مثيرة، أو في مظهرها الخارجي تعبير عن فهم عميق للمتحدث أو علم ومعرفة، وفي باطنها استعانة بالمعايير والقيم لتغطية التعصب والسطحية، حتى بين المتعلمين جدا، أو ربما الانغلاق أو عدم القدرة على الخروج من ترسبات الزمن وأفكار طالما نثرها ما يسمى رجال الدين أو العلم أو السياسة.

مثير كم التعصب عندما تعريه الحقائق أو العلم كما يقول ذاك المتحيز لمهنته في الطب عندما يأتي الطلبة الجدد ليخلطوا معتقداتهم، وما سمعوه بما هو مدون كعلم في الكتب الأكاديمية، حيث يردد «لو سمحت أو سمحتِ لنكمل النقاش مستعينين بالعلم لا بما يردده العامة أو حتى غوغل!!!».

كل التطور الذي ساهم في تدوين الحقائق مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، هو نفسه يستخدمه بعض المحرضين أو «الجنود» في الجيوش الإلكترونية، لنشر الأكاذيب وتلفيق القصص وتشتيت الغضب أو بعثرة أدلة الإدانة الواضحة كالشمس، مثل أن يقال إن ما يجري من إبادة للفلسطينيين هو مشابه لما يقوم به ذاك النظام الذي يختلفون معه، ولطالما استماتوا في تحويله إلى «البعبع» الأكبر والعدو الوحيد، وقد يكون من المهم أن نتذكر ونذكر أن كثيراً من ممارسات القمع والتنكيل أصبحت عامة، ولم تعد «حكراً» على الحكومات والأنظمة في الجنوب، بل تسابق خلال الأشهر الأخيرة كثيرون من دول الشمال لينافسوا «أصدقاءهم» وحلفاءهم في كتم الصوت الآخر ومحاولة تسويق السردية الصهيونية حتى لو تطلب ذلك أن نسحل المتظاهرين والمعتصمين ونعتقلهم ونرمي بالأكاديميين خلف القضبان أو بعيدا عن أسوار الجامعات التي كانت تعرف بأنها من أعرق الجامعات.

الحوارات في الأشهر الأخيرة كشفت الكثير من الأصدقاء قبل الأعداء، وعرّت ما يخفيه البعض تحت العمائم والألقاب والشهادات والمراكز، بل استبسل البعض في إشغال العامة بحوارات جانبية قد تكون مهمة لو لم تكن المجزرة في فلسطين مستمرة منذ 1948، وليس منذ أكثر من تسعة أشهر فقط.

كم عدد من سقطوا من حسابات بعضنا بل سقطوا من أجندات مواعيدهم ورسائلهم للسؤال أو التعبير عن الشوق أو التوق للقاء، وكم لقاءات وتجمعات هي الأخرى اختفت عندما أصبحت الجلسات تتحول سريعا إلى خطابات كراهية ضد الآخر وتوجيه أصابع الاتهام وتخوين الآخر الذي لا يشبهني أو هو وأنا نختلف في العرق أو الطائفة أو الدين أو البلاد، نعم البلاد! ألا يرى بعض الخليجيين اليوم أنفسهم أنهم أكثر علماً ومعرفة وتفوقاً بل حضارة من كثير من العرب، بعد أن كثر الدس وغسل الأدمغة والتحريض الممنهج والخطاب المغمس بالسم وهم في مجملهم صناعة أنجلوصهيونية باحتراف رغم أن بعض العرب بدؤوا بالتفوق في مثل هذه المهنة؟!

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.

back to top