الحرية الشخصية مقدسة

أعتقد أن حكم محكمة التمييز القاضي ببراءة متهم بسبب بطلان تفتيش والده لغرفته، حيث اعتبرت المحكمة أن ذلك تعدٍّ على خصوصيته وانتهاك غير مشروع لحرمة حقوقه المصونة بالدستور والقانون. أعتقد أن هذا الحكم يتجاوز كثيراً هذه القضية الفردية ليطال الكثير من مفاهيمنا ومعتقداتنا القديمة والجديدة أيضاً، فقد لاحظنا مؤخراً «إسهالاً» في وسائل التواصل الاجتماعي في تعظيم السلطات العامة، وفي الدعوة إلى المبايعة العمياء للسلطات، وإلى السمع والطاعة لكل كبير.
رغم أن الأب، كما تشير الواقعة، قد دخل وفتش غرفة في بيته هو، الذي يبدو أنه يملكه، إلا أن كون هذه الغرفة مخصصة لولده أضفى عليها حصانة وخصوصية مستمدة من خصوصية الابن ومحمية من انتهاك الأب أو غيره بحقوق هذا الابن الدستورية والقانونية.
لدينا دستور وقواعد لأصول الحكم مستمدة أساساً من علاقة شرعية ومبنية على تضافر وتضامن الكويتيين منذ أن قيض الله لهذه الأرض أن تكون وطناً لهم. هذه القواعد مصونة ومحمية وليس مسموحاً لأي كان العبث بها. خصوصاً مبادئ الحرية والمساواة التي حرمت المادة 176 من الدستور تعديلها ما لم يكن التعديل من أجل مزيد من ضمانات الحرية والمساواة.
المجتمعات الحديثة أو العصرية هي مجتمعات «رأسمالية» قائمة على احترام الفرد وتعزيز شخصيته، ويشكل القانون والدستور السور الذي يحمي الفرد ويقوي حريته وتفرده، إذ يحلان محل القبيلة أو العشيرة وحتى الأسرة في حمايته وحفظ حقوقه. محكمة التمييز في حكمها الأخير أكدت ذلك ووضعته موضع التنفيذ.
لكن مع الأسف دستورنا يخب علينا ومحكمة التمييز نفسها تخب علينا. فأغلبنا حالياً يعيش مع الأسف بعقلية العهود والقرون التي مضت. عقلية الجماعة والزعامة الفردية ووصاية الكبار ونفوذ سراة القوم. أغلبنا لن يتفق أو يتوافق وحكم محكمة التمييز، فبرأيه الوالد مارس حقوقه وتصرف بموجب وصايته الشرعية على ولده، وفوق كل هذا هو في بيته، والمتهم ولده ويعيش معه، ولن يلتفت أحد على الإطلاق إلى خصوصية الابن، وحقه في الاستقلال وكفالة حريته الشخصية... فهذه لم يتفهمها أو يستوعبها الكثيرون بعد.