ساهمت الاتصالات الدولية والضغوط الأميركية المكثفة في «حصر» الضربة الإسرائيلية الوشيكة لـ«حزب الله» رداً على اتهامه باستهداف بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، وأدت إلى تأخيرها بحثاً عن هدف نوعي لاستهدافه بطريقة محدودة لا تؤدي إلى اندلاع حرب واسعة.

ويعطي ذلك أبرزَ انطباع حول حقيقة الوقائع العسكرية بين الحزب وإسرائيل، وهو ما يشير بوضوح إلى استبعاد فرضيات الذهاب إلى مواجهة واسعة، أو اندلاع معركة كبرى قد تشمل شظاياها المنطقة كلها وتتحول إلى حرب إقليمية.

ومع انتظار الضربة النوعية الانتقامية، التي عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تحديدها، وتوعّد مع وزير دفاعه يوآف غالانت، بأنها ستكون فعلية وقوية، تواصلت المواجهات الروتينية وفق قواعد الاشتباك القائمة بين الجانبين، في ظل تكثف الاتصالات السياسية والدبلوماسية لاحتواء أي تصعيد.

وكشفت مصادر قريبة من «حزب الله»، أنه اتخذ أقصى درجات الاستنفار، وأخلى مواقع، وغيّر طريقة تنقل مسؤوليه وكوادره، فضلاً عن إنجازه الاستعدادات اللازمة لأي تطورات عسكرية قد تحصل أو تنجم عن هذه الضربة، بما فيها الانتقال إلى مرحلة الأيام القتالية أو المواجهات المباشرة.

وبعد تلقيه رسائل دولية تحذيرية أو تهديدية حول لجوء تل أبيب لتنفيذ عملية واسعة، ردّ الحزب اللبناني برسائل مضادة أبلغ فيها الوسطاء والمعنيين أنه ملزم بالردّ على أي ضربة، وفي حال استهداف منطقة مدنية فسيردّ بالمثل، وإذا تم استهداف مرفق عام واستراتيجي فسيردّ باستهداف مثله في إسرائيل. ويؤكد الحزب أنه لن يسمح لتل أبيب بفرض قواعد اشتباك كما تريد.

هذه الأجواء «الحربية»، التي تعايش معها لبنان على مدى أيام، انعكست في دعوات سفارات دول كثيرة لمواطنيها بمغادرة لبنان فوراً وبشكل عاجل، أما غير القادرين على المغادرة فوجهت لهم نصائح بالبقاء في أماكنهم والحذر في تنقلاتهم.

في المقابل، اتخذت شركات طيران كثيرة حول العالم قرارات بتعليق السفر إلى لبنان حتى الاثنين، تحسباً لحصول أي طارئ. وتشير معلومات إلى التخوف من إمكانية استهداف المطار أو محيطه، في حين لفتت معطيات أخرى إلى التخوف من حصول تضارب بين الطائرات الحربية والصواريخ التي ستُطلَق والطائرات المدنية.

وفي موازاة التصعيد والاستنفار القائم، توقفت جهات دولية عديدة أمام إعلان وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب استعدادَ «حزب الله» للانسحاب من جنوب نهر الليطاني في حال توقف الإسرائيليون عن اختراقهم للسيادة اللبنانية. وهذا موقف متطور جداً لا سيما أنه أحد الشروط التي تطالب بها إسرائيل لإرساء الحلّ الدبلوماسي والاستقرار الطويل الأمد.

وفي حين لم يعلّق «حزب الله» على كلام وزير الخارجية، أفادت مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنه مع تطبيق القرار 1701 فإن الحزب سيكون مستعداً للالتزام به، وعدم إظهار أي وجود عسكري له في جنوب الليطاني.

في هذا السياق، تتكثف المساعي الدولية لتحويل هذا التصعيد إلى فرصة لتفاوض جدّي يُرسي حلاً دبلوماسياً لتجنّب المزيد من التوتر، بينما لاتزال جهات أخرى داخلية ودبلوماسية تُبدي تخوفها من الوقائع الميدانية، وعدم القدرة على ضبطها أو التحكم فيها.

وفي تفاصيل الخبر:

بالتزامن مع قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بزيارة موقع سقوط صاروخ بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، بعد يومين من الضربة الدامية التي اتهمت الدولة العبرية «حزب الله» اللبناني بشنها، مؤكداً أن «ردنا قادم وسيكون قوياً»، كشف مسؤول دفاعي عبري كبير أن بلده تريد إيذاء الجماعة اللبنانية المتحالفة مع إيران، لكنها لا تريد جر المنطقة إلى حرب شاملة، بينما قال مسؤولان آخران إن الاحتلال يتأهب لاحتمال اندلاع قتال يستمر عدة أيام.

وتحدث هؤلاء المسؤولون بعدما عقد نتنياهو اجتماعاً لمجلس الوزراء الأمني المصغر، لتقييم الوضع، بعد يوم من سقوط 12 طفلاً وفتى في هجوم الجولان.

Ad

في المقابل، حذر وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، مقرب لـ «حزب الله»، من أن بلده وإسرائيل ستعودان للعصر الحجري إذا اندلعت الحرب «وليس لبنان وحده من سيعود للعصر الحجري كما كان يهدد قادة تل أبيب منذ بدء حرب غزة».

وقال إن الحرب إذا اندلعت فستكون إقليمية، لأن الحزب لن يكون وحده، مشيراً إلى أنه إذا كانت هناك حرب «فإننا ندعم حزب الله بالتأكيد ليس بسبب الاعتقادات ولكن بسبب أي هجوم على بلدنا».

وفي ظل مساع دولية مكثفة تقودها الولايات المتحدة لتفادي التصعيد بين إسرائيل والحزب القوي، أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس، اتصالاً هاتفياً مع رئيس إسرائيل، إسحاق هيرتسوغ، لبحث هجوم الجولان.

وشدد بلينكن على أهمية تجنب تصعيد الصراع، كما بحث الجانبان الجهود الجارية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين هناك.

كما شدد الوزير الأميركي في اتصال منفصل مع نتنياهو على أهمية منع تصعيد الصراع، ودفع الجهود الرامية للتوصل لحل دبلوماسي «يسمح للمواطنين على جانبي الحدود الإسرائيلية واللبنانية بالعودة إلى منازلهم». وجاء ذلك في وقت نقل موقع «أكسيوس» الأميركي، عن مسؤولين إسرائيلي وأميركي، قولهما إن إدارة الرئيس جو بايدن، حذرت حليفتها من ضرب أهداف لـ «حزب الله» في العاصمة بيروت.

وقال المسؤول إن بلاده تعتقد أن أي ضربة للجيش الإسرائيلي على بيروت سيعتبرها الحزب اللبناني تجاوزاً لخط أحمر.

ولاحقاً، أكد البيت الأبيض أن لإسرائيل كل الحق في الرد على هجوم «حزب الله»، لكنه شدد على أن لا أحد يريد حرباً شاملة، وأن إدارة الأميركية واثقة من قدرتها على تجنب نتيجة من هذا القبيل.

وأمس، كشف مصدر إيراني مطلع لـ «الجريدة» أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتهز اتصالاً أجراه مع الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، لتهنئته بتولي منصبه رسمياً، لكي يطالبه بالتدخل لإقناع «حزب الله» بتفادي الرد على الهجوم الإسرائيلي المرتقب لنزع فتيل «المشكلة الحالية»، وهو ما قابله بزشكيان بتأكيد أنه إذا أقدم الاحتلال على مهاجمة لبنان، فإن الحزب سيرد لا محالة، وأن الأفضل الضغط على الدولة العبرية لثنيها عن خطوتها، ووقف حرب غزة لإنهاء كل التصعيد.

من جهته، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، أمس، عن قلقه إزاء احتمالات توسع دائرة المواجهة العسكرية بين إسرائيل و«حزب الله» بما يزيد على نطاقها الحالي، ويجر الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية.

وأكد أبوالغيط على التضامن الكامل مع الدولة اللبنانية وشجبه التهديدات الإسرائيلية للبنان، مشدداً على أن أي تصعيد محتمل سيشكل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة برمتها، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.

ميدانياًَ، طالبت السلطات الإسرائيلية سكان المناطق الشمالية في إقليم الجليل الأعلى بـ «اليقظة ومتابعة التعليمات وعدم إقامة تجمعات»، فيما تبادل جيش الاحتلال والحزب اللبناني، إطلاق النار شبه الاعتيادي على جانبي الحدود منذ بدء حرب غزة، إذ قصفت المدفعية الإسرائيلية أطرافا عدة بلدات في جنوبي لبنان، كما استهدفت مواقع بقصف نفذته الطائرات الحربية، فيما استهدف «حزب الله» مواقع وقوات إسرائيلية في المنطقة الحدودية.

ونعى الحزب مقاتلينْ له وأصيب 3 أشخاص بجروح متفاوتة بينهم طفل جراء قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية وسيارة على طريق ميس الجبل وشقرا.

أتى ذلك في وقت ألغت عدة شركات طيران دولية، بالإضافة إلى شركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية، رحلاتها الجوية من وإلى مطار بيروت بسبب المخاطر الأمنية المتصاعدة، فيما طالبت دول غربية بينها الولايات المتحدة وايطاليا رعاياها بسرعة مغادرة لبنان.a