اعترفت إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية في مايو 2024 ليصبح عدد الدول التي قامت بذلك مئة وأربعا وأربعين، ليست الولايات المتحدة منها.

على المستوى الرسمي تناصر الولايات المتحدة حل الدولتين، بمعنى أن تلقى إسرائيل ودولة فلسطينية اعترافا بوصفهما دولتين رسميتين، وذلك منذ إدارة كلينتون في تسعينيات القرن الماضي، وقد كرر الرئيس جو بايدن ذلك الموقف في مؤتمر صحافي له في11 مايو 2024 عقب قمة الناتو حينما قال إنه «ما من حل نهائي إلا حل الدولتين».

Ad

غير أن الولايات المتحدة وحدها دأبت على منع المناطق الفلسطينية من تلقي الاعتراف بها بوصفها بلدا- ولو رمزيا على الأقل- بمنعها من أن تكون العضو الرابع والتسعين بعد المئة في الأمم المتحدة.

لفلسطين وضع المراقب الدائم في الأمم المتحدة، وتمثلها فيها السلطة الفلسطينية. وكونها مراقبًا دائمًا يتيح لها حضور أغلب الاجتماعات، لكن ليس لها حق التصويت على أي اتفاقيات أو توصيات دولية.

عندما تأسست دولة إسرائيل في عام 1948، تعرّضت لهجوم فوري من جيرانها العرب مصر والعراق والأردن ولبنان وسوريا، إذ رفضت تلك الدول الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، لكنها لم تفعل شيئا من أجل إقامة دولة فلسطينية. وابتليت المنطقة منذ ذلك الحين بحروب لاحقة وعداوات أقل حدة.

وعلى مر السنين، وفرت الولايات المتحدة دعما كبيرا لإسرائيل في السياسة والمال والمساعدات العسكرية، وفي الوقت نفسه، حاولت الولايات المتحدة أن تساعد في دفع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب إلى يوم يمكن فيه أن يعيشوا معًا بسلام.

وقد دفعت الحرب القائمة الآن في غزة الساسة الإسرائيليين وغيرهم إلى تأكيد أن مناقشة إقامة دولة فلسطينية هي مكافأة لحماس على المجزرة التي ارتكبتها بحق مواطنين إسرائيليين وأطلقت شرارة الحرب، لكن الحرب في لحظة ما ستنتهي والمشكلة التي تسببت فيها ستبقى بلا حل، وأعتقد أنها ما لم تحل، فإن نهاية الحرب لن تكون إلا شيئاً مؤقتاً.

عندئذ سيكون لزاما على الساسة الفلسطينيين والإسرائيليين أن يعالجوا كثيرا من القضايا، وكذلك العديد من زعماء البلاد الذين يساعدونهم في التفاوض، وستكون أهم ثلاث قضايا هي حدود الدولة الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في العودة إلى الأرض التي أُخرجوا منها قسرا سنة 1948، ووضع القدس التي يصر كل من الفلسطينيين والإسرائيليين على أن تكون عاصمة لهم.

في حين أن الولايات المتحدة قد ساعدت في تعزيز المفاوضات الرامية إلى السلام دون فرض نتيجة عليها، فإنها تبنت لوقت طويل حل الدولتين، فقد قال الرئيس السابق دونالد ترامب على سبيل المثال في عام 2018 «يعجبني حل الدولتين. وهو في رأيي الأنجح...هذا هو إحساسي»، كما حاول رؤساء آخرون من أمثال جورج دبليو بوش وباراك أوباما أن يحثوا الأطراف على التفاوض.

لكن في حين أن رؤية الحكومة الأميركية للسلام تتضمن إقامة دولة فلسطينية على المستوى النظري، فقد دأبت الولايات المتحدة على منع محاولات في الأمم المتحدة لترقية وضع فلسطين من مراقب إلى عضو.

من شأن ذلك أن يكون أكبر من تغيير رمزي، لأن اعترافا رسميا بدولة فلسطينية باعتبارها بلدا في نظر المجتمع الدولي يمنحها مكانا في منظمات ومحاكم دولية أخرى.

منعت الولايات المتحدة حدوث هذا أخيرا في أبريل 2024، حينما استعملت حق النقض على «قرار بشأن فلسطين بوصفها دولة» في مجلس الأمن الذي لا بد أن يقر انضمام الأعضاء الجدد.

والولايات المتحدة إحدى خمس دول أعضاء تشكل مجلس الأمن، بجانب فرنسا والمملكة المتحدة والصين وروسيا. ولكل بلد من هذه البلاد سلطة حق النقض اعتراضا على أي إعلان أو بيان يحاول المجلس إصداره، خلافا لعشرة آخرين يتناوبون عضوية المجلس ولهم حق التصويت.

كيف يكون شكل الدولة؟ نظرا لأن التوصل إلى اتفاق على حدود لدولة فلسطينية وقضايا أخرى سيكون أمرا بالغ الصعوبة، فإن الوساطة الفعالة ضرورية لتحقيق السلام، غير أن الولايات المتحدة تخسر أي دور في هذه العملية بموقفها المنعزل المفتقر إلى الاتساق.

لقد أوضح متحدث باسم البيت الأبيض في مايو 2024 أن الولايات المتحدة تصر على أن الدولة لا يمكن أن تتحقق «من خلال اعتراف أحادي الجانب»، بل يجب أن تكون «من خلال مفاوضات مباشرة بين الأطراف».

ثمة مشكلتان في هذا المنطق: الأولى هي أن مئة وأربعا وأربعين دولة في الأمم المتحدة اعترفت بالدولة الفلسطينية بلدا، فلا يمكن أن يكون هذا اعترافا أحادي الجانب، والأمم المتحدة هي التي أقامت إسرائيل أصلا سنة 1948.

والثانية هي أن إسرائيل حاليا لديها الحكومة الأشد تطرفا ويمينية في تاريخها، ولطالما أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه يعارض بشدة أي دولة فلسطينية، وحتى إن أمكن أن يوافق على مناقشة إمكانية قيامها، فسينهار ائتلافه على الفور، وسيخرج مرغما من السلطة.

ولاجتناب أي ضغط لمناقشة قيام الدولة، شجع نتنياهو منذ سنين بلادا أخرى على تقديم ملايين الدولارات لحماس، وهو يعلم أن المنظمة لن تتفاوض أبدا، وقد فعل ذلك إضعافا للسلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية وتبدي استعدادا للمحادثات.

لماذا إذاً، حتى قبل حرب غزة الراهنة، رفضت الولايات المتحدة السماح بخطوة صغيرة -هي الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة- في طريق حل الدولتين الذي تقول إنه الطريق الوحيد إلى سلام مستدام؟ ولماذا تبقى الولايات المتحدة متسقة كل الاتساق مع حكومة لن تسمح مطلقا بحدوث ذلك؟

التفسير بسيط، وهو السياسة الداخلية.في حين أن 98% من الأميركيين اليهود قد قالوا في أبريل 2024 إنهم يدعمون أسباب إسرائيل لمحاربة حماس، أثارت حرب غزة بعض الانقسامات في المجتمع اليهودي.

يناصر الأميركيون اليهود الحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة مناصرة شديدة منذ عقود، والدفاع عن إسرائيل يظل موضوعا مهما بالنسبة لهم، غير أن إسرائيل لاعتقادها أن هذا التأييد قد يتناقص فقد بدأت منذ عقود التقرب من المسيحيين الإنجيليين، وهؤلاء قاعدة انتخابية راسخة للحزب الجمهوري، وقد باتت موالاة إسرائيل الراسخة بالنسبة لهم مسألة إيمانية. والآن يتنافس الجمهوريون وبعض الديموقراطيين على أيهم الصديق الأفضل لإسرائيل، حينما طلب المدعي في المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال في مايو 2024 لنتنياهو وقائد إسرائيلي آخر وكذلك لقادة حماس، سارع مجلس النواب إلى رد شارك فيه الحزبان على غير المعهود بأن أصدرا تشريعا من شأنه أن يعاقب كل من يساعد المحكمة الجنائية الدولة على محاكمة الإسرائيليين. ولاجتناب أي جدل مثير للانقسام كهذا، لم يتبن الرئيس بيل كلينتون حل الدولتين إلا في الأسابيع الأخيرة له في السلطة.

وفي ضوء الواقع السياسي الخاص بالحرب القائمة، قد تسألون عن سر أهمية هذا، فانضمام دولة فلسطينية إلى الولايات المتحدة بوصفها واحدة من الدول الأعضاء لن يجعل منها بلدا، ويبقى على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يتوصلوا أولا إلى اتفاق.

لكن نيل هذا الوضع في الأمم المتحدة يمنح بصيص أمل لشعب يحلم بالاعتراف بهويته وبرغبته في أن يكون له بلد في يوم من الأيام، وما من فرصة لأن يتحقق مثل هذا التغيير المهم في السياسة في غمرة حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن لو أن للسلام أن يتحقق في يوم من الأيام، فلا بد لمزيد من الناس في الجانبين أن يفكروا على نحو مختلف، وأعتقد أن إقامة دولة فلسطينية على الورق على الأقل سيساعد في تحقيق ذلك أكثر من أي شيء آخر يمكن أن تفعله الولايات المتحدة.

* أستاذ الشؤون الدولية في جامعة ولاية بنسلفانيا دينيس جيت«آسيا تايمز»