تنافس البطانة... مؤشر إصلاح... أو فساد
يقول ابن خلدون: «إلا وكان عند الحاكم - بغض النظر عن قوة سلطانه وامتداد نفوذه - مساعدون ومقربون منه، يسمع رأيهم إن لم يكن كفرعون لا يُري الناس إلا ما يرى، ويكلفهم ببعض المهام».
ويقول أيضاً: «حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يرغبها الشعب أو يعاني منها».
وقد قال أحد الحكماء: «إذا أردت أن تعرف مسلك الحاكم وحكمته وعدالته، فانظر لمن حوله!».
يبدو أن معضلة البطانة بالنسبة للخليفة والحاكم والرئيس والمسؤول معضلة قديمة متجددة، فهي عنوان لحُسن أو سوء مؤسسة الحكم، فإذا حرصت مؤسسة الحكم على أن تحيط بها بطانة صالحة عالمة نافعة من الوزراء والمساعدين والجلساء والعلماء والحكماء والمستشارين، فذلك يدل على حُسن تدبيرها، وبُعد نظرها ومسلكها الإصلاحي، وتعميرها للبلاد، ورعاية العباد وحقوقهم وتكافئهم ومساواتهم.
أما إذا أحاط بمؤسسة الحكم السفهاء والجهلاء والتافهون والمتمصلحون والمغامرون، فذلك يدل على سوء تدبير مؤسسة الحكم، وقِصر نظرها، وتنكبها طريق الإصلاح والصلاح، وستصير لتدمير البلاد، وإضاعة العباد، والتفريط بحقوقهم ومكانتهم، وتنشر الفرقة والشحناء.
وهكذا تصبح البطانة بالنسبة للحكم مثل القلب من الجسد، والعقل في الرأس، ولن تفلح أمة أو دولة تفقد فيها مؤسسة الحكم العقل والقلب معاً، وستكون في حال تذبذب وعدم اتزان إن فقدت أحدهما، وستصير للاستمرار والاستقرار والمنعة وتفوق حقيقي إن حازتهما معاً.
ولعل أخطر أحوال الأمم والدول أن تكون البطانة الفاسدة هي المهيمن على شؤونها والمتصرف بأمرها، فإن صار ذلك فقد نشأت حالة الصراع والتنافس بين مكونات تلك البطانة، والتي يتولّد عنها، بل وتورث حتماً، حالة تضليل الحاكم وإحاطته وإعلامه بالمعلومات والأخبار الكاذبة، وحجب الحقائق عنه، وطمس أحوال العباد والبلاد عن معرفته، فتلك البطانة ستكون عاملاً رئيساً في تذمر الناس وتململهم وفقدانهم للثقة، بل ستكون عامل انهيار سريع للدولة وزوالها، وهو ما يعطيه لنا التاريخ من دروس وعِبر، خصوصاً في ظل استمرار البطانة السابقة، التي كانت سبباً في التدهور والتراجع السابق الذي شهدته الأمة أو الدولة.
وكل ذلك هو مكمن ومنطلق النظر للحاكم ومؤسسة الحكم في كل مستوياتها، من خلال ما تتخذه من بطانة.
وهو الدافع الذي يجعلنا دائماً نبتهل لله، جل شأنه، بالدعاء أن يرزق قيادتنا السياسية البطانة الصالحة الناصحة التي تدلها على الخير وتعينها عليه، خصوصاً في ظل سياسات الإصلاح الحقيقي المتواكب مع عزم وحزم وحُسن اختيار المعاونين والبطانة، وإقصاء وإبعاد الفاسدين وبقاياهم، وهي أصبحت سمة إيجابية وحالة تعافٍ حقيقي تعيشها الدولة اليوم، ويستشعرها الناس.
اللهم احفظ الكويت وشعبها وأميرها من كل مكروه.