كانت ناورو، وهي ثالث أصغر دولة في العالم، غنية تنتج الفوسفات وتصدّره، وكان سكانها يعيشون في رفاه ونعيم، كانوا يعيشون ليومهم أما غدهم فتركوه للقدر والمصادفة، وحدث أن نضب مصدرهم الوحيد للدخل «الفوسفات»، وانقلبت حياتهم بؤساً وتعاسة، وأضحت هذه الدولة التي «كانت» غنية «فقيرة» تحيا باقتصاد تابع لأستراليا، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى، دولة تمثل قمة قمم الصناعة والتقدم، وهي ألمانيا، كان يُنسَب إلى مستشار الدولة السابق هلموت شميث مقولة: «فوائد وأرباح المؤسسات اليوم، هي استثمارات الغد، واستثمارات الغد هي العمالة لما بعد الغد»، هكذا كان الفرق في التخطيط بين دول «السنع» مثل ألمانيا ودول «السماري» مثل ناورو.

Ad

مثال آخر نتعلمه من النرويج التي لديها أكبر صندوق استثماري في العالم، وتنشر بياناته بكل شفافية، أموال هذا الصندوق مُحتفَظ بها لا تُمس، بينما دخل الدولة يعتمد على موارد أخرى، طبيعي أن تقوم تلك الموارد على الاستثمار الإنساني، فالإنسان ذو التعليم الجيد والإدارة الجيدة، هما ثروة البلد الحقيقية، ولا تعاني مثل تلك الدولة من لعنة الموارد. أي الاعتماد بشكل كلي على مورد وحيد للدخل القومي هو هبة الطبيعة، ولا دخل للعمل الإنساني فيه، مثل النفط لدينا والفوسفات في ناورو سابقاً.

قبل سنوات بسيطة نشر مايكل هارب كتابه «أجور النفط، البرلمانات والتطور الاقتصادي في الكويت والإمارات العربية»، كان الكاتب يقارن بين الدولتين، وكان يرى أن دولاً مثل الكويت والإمارات وقطر تمثل حالة متطرفة للدولة الريعية، الدولة والمواطنون يعتمدون بشكل أساسي على عوائد الثروة الطبيعية، ولا توجد ضرائب، والعمل يقوم به الأجانب. الأمور تغيرت، وانتبهت الإمارات وقطر لهذا، فتحت الأولى أبواب الاستثمارات الأجنبية فيها، فدبي تملك أكبر موانئ العالم لإعادة التصدير، حجمها أكبر ست عشرة مرة من الموانئ الكويتية، بينما كانت الكويت في زمن مضى تتصدر دول الخليج... كيف أصبحنا اليوم...؟ نظرة بسيطة للمنطقة الحرة اليوم تخبرنا بالحالة المخجلة التي وصلنا إليها، فإدارة هذه المنطقة حكومية مئة بالمئة، وخراب مئة بالمئة.

لا يوجد في الإمارات اليوم، ومثلها قطر والسعودية وعمان والبحرين، نكتة «كتابنا وكتابكم»، ولا يوجد الموظف العام، الذي يتفقد النشاط التجاري، ويفرد عضلاته على المؤسسات التجارية الصغيرة، ويكرر مثل الببغاء ثرثرة عقدة السلطة الأبدية عنده، مثل لا يوجد لديكم تصريح من وزارة التجارة بفتح باب آخر للمنشأة، وليست لديكم موافقة من الوزارة الفلانية... وإلى آخره في إمبراطورية «كتابنا وكتابكم»... وتريدون يا أصحاب المعالي والسيادة أن تكون أبواب الاستثمارات وصناعة السياحة مفتوحة، تستقبل الاستثمارات الأجنبية وتشجع العمل الخاص؟!

لماذا يطرق أبوابكم هذا المستثمر؟! كي يشاهد الطلة الجميلة لإداراتكم الرائعة، ويهرول بين دهاليز مؤسساتكم المتهالكة للحصول على ورقة تصريح أو مكرمة إدارية، ويجلس مرتاحاً ليشرب زجاجة مياه غازية ساخنة في فنادق الغرف الفارغة، بينما في دول قريبة منه كل ما لذ وطاب من الأكل والشراب... روحوا ناموا.