على وقع مرحلة حبس أنفاس يعيشها لبنان والمنطقة منذ سقوط الصاروخ على قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل، نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي أمس هجوماً خاطفاً على ضاحية بيروت الجنوبية معقل «حزب الله»، الذي باتت الكرة في ملعبه للرد تحت سقف عدم الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة.
جاء ذلك رغم الدعوات الدولية لضبط النفس وعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة، مع مساعٍ أميركية لإقناع إسرائيل بعدم ضرب بيروت أو الضاحية الجنوبية، حيث هاجمت طائرة مسيرة إسرائيلية بثلاثة صواريخ مقر مجلس شورى الحزب بحارة حريك، مستهدفة رئيس غرفة عملياته فؤاد شكر، المعروف باسم «الحاج محسن»، وهو المستشار الأساسي لرئيس الحزب حسن نصرالله.
وتشير معلومات إلى أن شكر تسلم مهام القيادي العسكري الراحل عماد مغنية الذي اغتيل أيضاً بهجوم مماثل في 2008 بالعاصمة السورية دمشق.
وبينما تسبب الهجوم في انهيار طابقين من المبنى المستهدف، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي: «هاجمنا بشكل دقيق في بيروت القائد المسؤول عن قتل الأطفال في مجدل شمس، والذي قتل العديد من الإسرائيليين»، مضيفاً: «في هذا الوقت لا يوجد تغيير في تعليمات الجبهة الداخلية».
ووسط تضارب المعلومات حول وجود «الحاج محسن» في المبنى من عدمه وبقاء مصيره مجهولاً إلى حين مثول «الجريدة» للطبع، سارعت وسائل الإعلام العبرية إلى إعلان انتهاء ضرباتها الجوية لبيروت باغتيال القيادي العسكري.
في المقابل، أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن الهجوم فشل في اغتيال القيادي البارز في «حزب الله»، خلافاً لما أعلنه الجيش الإسرائيلي، بينما تحدثت معلومات أولية عن سقوط قتيلين وإصابة 6 آخرين.
في هذه الأثناء، انفجرت أزمة فوضوية كبرى في وجه رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل بنيامين نتنياهو، إثر انقسام كبير داخل الجيش والمؤسسة الأمنية يمتد إلى صفوف المواطنين، على خلفية صدامات واجتياح أنصار التيار اليميني المتشدد لقاعدة «سدي تيمان» العسكرية؛ لإطلاق سراح 9 جنود يُحاكَمون بتهمة إساءة معاملة أسير فلسطيني تعرض للتعذيب والاعتداء الجنسي.
وشهدت القاعدة شجاراً واشتباكاً بين ضباط الشرطة العسكرية وعناصر قوات الاحتياط، بعد أن حضرت الأولى إلى المركز لاعتقال المشتبه فيهم، في حين اتهم محللون في موقعي «والا» و«معاريف» ميليشيات وبلطجية جهلة بمحاولة «تفكيك الجيش»، الذي اضطر، بحسب وزير الدفاع يوآف غالانت، إلى توجيه 3 كتائب لحماية القاعدة من أعمال شغب قام بها أنصار التيار اليميني بدلاً من إرسالها إلى غزة للقتال.
وتصاعدت الأزمة التي تهدد بتفجير الائتلاف الحاكم بعد أن دعا غالانت إلى فتح تحقيق مع وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، بتهمة التقاعس عن إرسال الشرطة، التي تخضع لسلطته، من أجل حماية القاعدة من مثيري الشغب المدنيين، الذين اقتحموها ليل الاثنين لإطلاق الجنود المحتجزين.
ورد بن غفير بالمطالبة بفتح تحقيق يتهم غالانت بالامتناع عن إرسال تعزيزات عسكرية إلى المناطق التي اجتاحتها حركة حماس خلال هجوم السابع من أكتوبر الماضي، الذي أطلق شرارة حرب غزة.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة عناصر إسرائيلية مدنية تحاول تفكيك بوابات 3 قواعد عسكرية خلال الاضطرابات، قيل إنهم من أنصار التيار اليميني المتطرف وبن غفير، في مشاهد وُصِفت بأنها ترمز لـ«تفكك داخل» الدولة العبرية.
وبينما سخرت أوساط عبرية من ادعاءات رئيس الحكومة بأنه على بعد خطوة واحدة من النصر الكامل، ورأت أنه على بعد خطوة واحدة من «الحرب الأهلية»، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحاته شديدة اللهجة تجاه الاحتلال، مؤكداً أن «إسرائيل هي الدولة الوحيدة في منطقتنا التي تبحث عن أمنها من خلال العدوان والمجازر واحتلال الأراضي، وتتصرف كتنظيم إرهابي».
وغداة تهديده بالتدخل عسكرياً ضد إسرائيل، قال أردوغان: «نحن لا نعتدي على حقوق الآخرين، ولا نسمح لأحد بالاعتداء على حقوقنا، ولن نترك إخواننا وحدهم عاجزين في أصعب أيامهم».
وأشار إلى أن قادة الغرب والمنظمات المنوط بها ضمان الأمن الدولي يشاهدون الوحشية التي تفوق وحشية هتلر بغزة التي تحولت إلى «أكبر معسكر إبادة في العالم» عن بعد في مشهد يهدد العالم لا المنطقة فقط.
جاء ذلك في وقت حذر رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني، كمال خرازي، إسرائيل من مواجهة ردٍّ وصفه بـ«الشديد» في حال إقدامها على مغامرة بلبنان، داعياً إلى الضغط على الاحتلال لوقف حرب غزة لتهدئة كل الجبهات.
فؤاد شكر... مطلوب إسرائيلياً وأميركياً
يعتبر فؤاد شكر أحد أكثر الوجوه العسكرية بروزاً في «حزب الله»، ويعرف داخل الحزب بـ «الحاج محسن»، وقد حل مكان القائد العسكري الأول في الحزب مصطفى بدر الدين الذي قُتِل في سورية عام 2016، كما أنه من المقربين جداً إلى الأمين العام للحزب حسن نصرالله، فضلاً عن أنه رئيس غرفة العمليات في الحزب، والقيادي الأول في المواجهات ضد إسرئيل.
ولعب شكر دوراً أساسياً في الهجوم على مقر مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983، حيث تم استهداف المقر بشاحنة مفخخة محملة بعشرة أطنان من المتفجرات والوقود، ما أدى إلى مقتل 241 عسكرياً أميركياً، وتلاه بدقائق انفجار كبير في مقر القوات العسكرية الفرنسية بالرملة البيضاء في بيروت أسفر عن مقتل 58 عسكرياً فرنسياً.
وكانت الولايات المتحدة عرضت في أكتوبر 2017 مكافأة 5 ملايين دولار، لمن يدلي بمعلومات تساعد في إلقاء القبض على شكر. وفي تصريح للصحافيين آنذاك، قال منسّق مكافحة الإرهاب في «الخارجية» الأميركية، نايثن سيلز، إن «حزب الله لا يزال أحد التنظيمات الإرهابية الأكثر خطورة في العالم، وإن المكافآت المرصودة خطوة جديدة لزيادة الضغوط على شكر وتنظيمه».
ووصف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى شكر بأنه المسؤول العسكري الأرفع في الحزب، ويلعب دوراً كبيراً في المعارك التي يخوضها مقاتلوه ضد إسرائيل، ودفاعاً عن الرئيس السوري بشار الأسد.