إسرائيل تغتال هنية في قلب طهران

خامنئي يوبّخ الحرس الثوري على الاختراق الأمني الكبير ويتوعد بالثأر من الاحتلال
• مكان هنية رُصِد بعد اتصاله عبر «الواتس» بأحد أبنائه قبل ساعتين من العملية
• صاروخ الاغتيال دخل بطرود دبلوماسية وانطلق من منطقة قريبة لإقامة زعيم «حماس»
• إيران تحدد بنك أهداف يشمل تصفية نتنياهو ووزرائه وضرب قواعد داخلية وخارجية
• «حزب الله» يستعد لردّ عنيف... ولبنان يفعّل لجنة الطوارئ خوفاً من الحرب
• هجوم أميركي على «الحشد» بالعراق... والاحتلال يستهدف قيادياً إيرانياً في سورية

نشر في 01-08-2024
آخر تحديث 31-07-2024 | 20:47

بعد ساعات من اغتيالها أرفع مسؤول عسكري في حزب الله ورئيس عملياته فؤاد شكر بضربة انتقامية في الضاحية الجنوبية لبيروت اغتالت إسرائيل فجر أمس رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران بصاروخ موجه أصابه مباشرة، فاتحة الباب أمام تصعيد واسع قد يضع منطقة الشرق الأوسط في دوامة من الردود المتبادلة تعزز احتمالات خروج الأوضاع عن السيطرة والانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة.

وفي أقل من 12 ساعة، وجّهت إسرائيل ضربتين إلى «حزب الله» و«حماس» لكن الخطر الأكبر هو اختراقها الكبير للأمن الإيراني واستهداف هنية في مقر للحرس الثوري مخصص لقدامى المحاربين، وهو الأمر الذي سيدفع طهران إلى رد مباشر على إسرائيل سيكون الثاني من نوعه بعد الرد على اغتيال قادة عسكريين إيرانيين في مقر القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أشهر.

وفي إطار توتر متنامٍ بالمنطقة شمل أيضاً استئناف الجيش الأميركي ضرباته للحشد الشعبي في العراق واستهدف سلاح الجو الإسرائيلي قيادياً إيرانياً في منطقة السيدة زينب بالعاصمة السورية دمشق، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة أكثر دقة وخطورة منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، واختار رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو السير على حافة الحرب الإقليمية بتنفيذ ضربتين عسكريتين ذات طابع استخباري مرتفع، متجاوزاً كل الخطوط الحمر وجميع الوساطات التي تقودها جهات غربية وأميركية بالتحديد لتجنّب استهداف المدن السكنية المكتظة، لا سيما الضاحية التي أعلنها الحزب اللبناني خطاً أحمر وأبلغ الوسطاء أنه بحال تم تجاوزه سيصعّد وتيرة عملياته، بل ذهابه إلى أبعد من ذلك باغتيال هنية في قلب طهران.

ورغم توعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بالثأر لهنية وتعهّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالدفاع عن أراضي إيران وشرفها، عقد المجلس الأمن القومي جلسة استثنائية صاخبة بمكتب المرشد لبحث كيفية الرد على إسرائيل.

وأكد مصدر بالمجلس، لـ «الجريدة» أن الجلسة شابها جدل وبحث مطّول، موضحاً أنه رغم اتفاق المجتمعين على الرد بشكل قوي جداً ثار الجدل حول استهداف إسرائيل بالصواريخ والمسيرات مثل المرة السابقة أو تغيير هذه الطريقة غير المفيدة وهي ما يريدها نتنياهو.

وقال المصدر، إن بعض المجتمعين أصرّوا على تنفيذ عمليات مشابهة وتصفية شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية أو موالية في المنطقة، وحتى اغتيال وزراء مثل بتسلئيل سموترش، وبن غفير، وحتى نتنياهو نفسه، مشيراً إلى أن بعض الأجهزة الإيرانية أكدت أنه يمكنها أن تؤمّن ما يحتاجه بعض اليهود المعارضين لهؤلاء في إسرائيل، وتشجيعهم على القيام بعمليات الاغتيال دون أن يكون هناك أي تدخل مباشر من إيران في هذا الموضوع، على غرار عملية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين مثلاً.

وأضاف أن الاجتماع تطرق إلى استهداف القواعد الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة وخارجها، خصوصاً الأمنية والاستخباراتية، استناداً إلى بنك قيّم تمتلكه إيران عن أماكن وجود مقرات استخباراتية في دول المنطقة، ويمكنها استهدافها بكل سهولة.

وذكر أن المرشد وبّخ، بشدة، قادة الحرس الثوري، لأنهم لم يستطيعوا تأمين هنية الذي كان تحت حمايتهم بالمقر الخاص لقدامى المحاربين الذي يتردد عليه أيضاً العديد من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية الإيرانية، ويقيمون فيه بين فينة وأخرى، مرجّحاً أن تشهد إيران تغييرات جذرية في الأجهزة الأمنية قريباً.

وأشار إلى تضارب تقارير الأجهزة الأمنية حول كيفية وصول الصاروخ إلى مكان إقامة هنية، ورغم أن البعض أشاروا إلى أنه جاء من خارج إيران، وأرادوا توجيه أصابع الاتهام إلى كردستان العراق أو أذربيجان، لكنْ محققو وزارة الأمن أكدوا أن التحليلات الأولية تؤكد أن الصاروخ انطلق من مكان قريب من مقر إقامة هنية، وعلى الأرجح أنه أُدخِل إلى إيران عبر إحدى السفارات الأوروبية الغربية المتحالفة مع إسرائيل في طرود دبلوماسية، وتم رصد مكان إقامة هنية بدقة بعد أن أجرى اتصالاً مع أحد أبنائه قبل ساعتين من عملية اغتياله عبر برنامج الواتس آب بجهاز هاتف ذكي كان بحوزة شخص آخر مقرب من هنية، ورغم أن هذا الشخص ترك المكان بعد الاتصال وابتعد بسرعة من هناك، ولكن الاتصال كان كافياً لكشف إحداثيات مكان هنية، ويبدو أن هناك جواسيس كانوا يراقبون مكان إقامته بشكل ثابت، للتأكد من أنه لم يخرج من المكان.

وتابع أن أحد السيناريوهات الأخرى المطروحة هو القيام بعملية واسعة من جانب كل جبهة المقاومة بشكل مشترك، واستهداف عدد من القواعد العسكرية والأمنية الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها.

وفي حين لاقى نبأ وفاة هنية ترحيباً من الإسرائيليين الذين اعتبروه إنجازاً كبيراً في الحرب مع الحركة، التزمت سلطات الاحتلال الصمت وتحفظت، إلى حد بعيد، عن الإدلاء بأي معلومة، وقررت إغلاق المجال الجوي، ونبّهت جميع سفاراتها حول العالم للتأهب لأي هجوم انتقامي.

وفي لبنان، أفادت مصادر متابعة بأن «حزب الله» سيرد حتماً على اغتيال قائده العسكري الأرفع فواد شكر، وأنه لم يعد يتجاوب مع مساعي الوسطاء، رغم التزامه بتنفيذ رد موجع يوازي الضربة التي تلقاها.

وفي حين تنتظر بيروت زيارة لوزيري الخارجية والدفاع البريطانيين اليوم، عقدت الحكومة اجتماعاً طارئاً وقررت الإبقاء على اجتماعاتها مفتوحة، مع تفعيل لجنة الطوارئ تحسباً للتصعيد المقبل.

وبعد ساعات من تحرك بوارجه الحربية نحو سواحل لبنان، شنّ الجيش الأميركي ضربة جوّية، أمس الأول، ضدّ الحشد الشعبي في محافظة بابل العراقية، في حين استهدف سلاح الجو الإسرائيلي قيادياً إيرانياً في منطقة السيدة زينب بالعاصمة السورية دمشق.

ولاحقاً، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة بطلب من إيران ودعم من بكين وموسكو والجزائر لمناقشة اغتيال هنية وهجوم الضاحية.

خالد مشعل قد يعود

ثارت تكهنات باحتمال إعادة تكليف القيادي التاريخي لـ «حماس»، خالد مشعل، بقيادة مرحلة مؤقتة إلى حين انتهاء حرب غزة، واختيار الاسم الذي سيخلف الراحل إسماعيل هنية في منصب رئيس المكتب السياسي للحركة.

ولفت خبراء إلى أن المشاهد التي تلت اغتيال مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، وخلفه عبدالعزيز الرنتيسي، تشير إلى أن «قرار تنصيب رئيس مكتب سياسي قد يأتي في أسرع وقت».

وتوقّع البعض أن تفرز الانتخابات الداخلية بالحركة التي تحافظ على تنظيمها بشكل جيد عن تولي مشعل أو قائد مكتبها السياسي بغزة يحيى السنوار، أو أن تتبوأ المشهد شخصية غير بارزة إعلامياً .

وفي تفاصيل الخبر:

في تطور يهدد بنقل التصعيد المستمر في المنطقة منذ بدء العدوان على غزة قبل 10 أشهر إلى مستوى إقليمي أخطر، استشهد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في غارة إسرائيلية على مقر إقامته بطهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان فجر اليوم.

وقالت حركة حماس، إن «مراسم تشييع رسمية وشعبية لجثمان هنية ستقام في طهران اليوم الخميس، ثم يُنقل إلى الدوحة، حيث يوارى الثرى بها». ونعى القيادي الكبير في المكتب السياسي للحركة سامي أبوزهري «القائد الكبير والشهيد أبوالعبد» الذي يعد أرفع قائد لـ«حماس» وممثلها بالخارج، وبعده يحيى السنوار داخل غزة.

وأكد أبوزهري أن «هذه ضربة كبيرة، تحاول بها إسرائيل كسر عزيمة الشعب الفلسطيني وحماس، لكنها لن تنجح. حماس فكرة، والفكرة لا تموت باغتيال الأشخاص. لقد ضحينا بالفعل بكبار قادتنا في الماضي - أحمد ياسين والرنتيسي وشحادة والعاروري وغيرهم، لكن الحركة ما زالت أقوى وسنواصل طريقنا».

صدمة ووعيد

وعقب انتشار النبأ الصادم للفصائل الفلسطينية التي تخوض قتالاً مريراً ضد الجيش الإسرائيلي في غزة منذ 10 أشهر، والذي يشكل اختراقاً كبيراً للأجهزة الأمنية الإيرانية، نقلت تقارير متضاربة أن هنية، والوفد المرافق له كانوا يقيمون في مضافة لـ«الحرس الثوري»، وأن الأمين العام لحركة «الجهاد» زياد نخالة، والوفد المرافق له كانوا أيضاً في طابق آخر من المبنى.

وذكر «الحرس الثوري» أن هنية استشهد وأحد أفراد حمايته، إثر استهداف مقر إقامته، في مبنى يتبع جهاز قدامى الحرب، بـ«شيء»، ويجري التحقيق بشأن الحادث.

وأفادت وكالة «نور نيوز» بأن الاستهداف تم بـ«جسم طائر من الجو»، بينما تحدثت مصادر عبرية عن إطلاق صاروخ موجه من غواصة إسرائيلية كانت في المياه الإيرانية باتجاه مقر هنية.

وأكد المرشد علي خامنئي أن من «واجب إيران الثأر للحادثة المريرة والصعبة التي أدت إلى استشهاد قائد المجاهدين الفلسطينيين»، متهماً النظام الصهيوني المجرم والإرهابي بارتكاب العملية، واعتبر أن إسرائيل أعدت لنفسها «عقوبة قاسية».

في موازاة ذلك، قال بزشكيان، إن بلده ستجعل «المحتلين الإرهابيين يندمون على فعلتهم الجبانة»، مشدداً على أن إيران «ستدافع عن كرامتها وسلامة أراضيها».

جنازة شعبية ورسمية لهنية في إيران اليوم ونقل جثمانه ليوارى الثرى بالدوحة

وأشار إلى أن «إيران في حداد على شريك أحزانها وأفراحها، وستزداد الرابطة بين الشعبين الإيراني والفلسطيني، وسيستمر مسار المقاومة والدفاع عن المظلومين بقوة أكبر من أي وقت مضى»، وتابع: «بالأمس رفعت يده المنتصرة، واليوم يجب أن أشيعه على كتفي».

ورغم تأكيد الخارجية الإيرانية احتفاظ طهران بحق الرد على نحو متناسب على العمل العدواني على سيادتها، وتحميلها الولايات المتحدة مسؤولية اغتيال هنية بسبب دعمها لإسرائيل، أكد محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس، أن «طهران ليست لديها نية لتصعيد الصراع في الشرق الأوسط»، في إشارة إلى المواجهات الدائرة بجنوب لبنان وغزة والبحر الأحمر.

وتزامن ذلك مع عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي في مقر إقامة خامنئي، بمشاركة قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآني، الذي يشرف على الفصائل المسلحة للجماعات المتحالفة مع إيران في المنطقة، وهو أمر يحدث في ظل ظروف استثنائية.

غموض واستعداد

في المقابل، لم تعلق إسرائيل رسمياً على الاغتيال، فيما أوعز رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الوزراء ونواب الكنيست بعدم التصريح أو التطرق إلى مقتل هنية.

وبينما احتفت أوساط عبرية بتمكن جهاز الاستخبارات «الموساد» من القضاء على القيادي الأول بأكبر حركة فلسطينية مسلحة، حذف المكتب الإعلامي للحكومة صورة لهنية، أشار فيها إلى «التخلص منه»، بعد دقائق من نشرها مع إقرار بتنفيذ الهجوم من خلال غارة جوية.

وفي ظل محاولاتها لاعتماد سياسة غامضة بشأن عملية طهران، التي جاءت بعد ساعات من ضربة مشابهة، تبنتها إسرائيل رسمياً، وتردد أنها قتلت الرجل الثاني في «حزب الله» اللبناني في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، أكد وزير الدفاع يوآف غالانت أن بلده لا تسعى إلى توسيع رقعة الحرب، لكنها جاهزة للتعامل مع جميع السيناريوهات.

تبرؤ ووأد

في غضون ذلك، نأت الولايات المتحدة، التي تقول إنها تسعى إلى احتواء التوتر الإقليمي الناجم عن استمرار حرب غزة، بنفسها عن ضربة طهران. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إن واشنطن «ليس لها يد في مقتل هنية، ولم تكن على علم» بالهجوم.

وأضاف بلينكن: «من المهم جداً إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار في غزة، لأنه السبيل الأفضل لتهدئة التوترات»، لافتاً إلى أنه تحدث مع المسؤولين القطريين للحفاظ على مسار التفاوض الدبلوماسي غير المباشر بين إسرائيل وحماس بشأن اتفاق تبادل المحتجزين والتهدئة بغزة.

وجاء تعليق الوزير الأميركي في وقت اعتبر رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد عبدالرحمن أن نهج الاغتيالات السياسية والتصعيد المقصود ضد المدنيين في غزة، في كل مرحلة من مراحل التفاوض، يدفع إلى التساؤل كيف يمكن أن تجري مفاوضات يقوم فيها طرف بقتل من يفاوضه في الوقت ذاته، وشدد على أن السلام الإقليمي والدولي بحاجة إلى شركاء جادين، وموقف دولي ضد التصعيد والاستهتار بأرواح شعوب المنطقة.

وفي القاهرة، أدانت الخارجية المصرية «سياسة التصعيد الإسرائيلية الخطيرة»، محذرة من مغبة سياسة الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول. واعتبرت مصر أن تزامن التصعيد مع غياب تحقيق تقدم في مسار مفاوضات تبادل المحتجزين والهدنة يؤشر إلى «غياب الإرادة الإسرائيلية في التهدئة».

back to top