رياح وأوتاد: الإيرادات الجديدة بين الإهلاك والديمومة
خلال الأيام القليلة الماضية كُشف النقاب عن اكتشاف حقل النوخذة الجديد، وتزامن ذلك مع إعلان وصول صندوق الاحتياطي إلى حوالي 960 مليار دولار، وكالعادة فُتِحت أبواب الشهوات وانطلقت المطالبات بالصرف والإنفاق المجدي وغير المجدي، ونسي أصحاب اقتراحات الصرف أنه لو أخذت الحكومة والمجالس السابقة باقتراحاتهم لما كان ممكناً أن يصل مبلغ احتياطي الأجيال إلى هذا المستوى، خصوصاً أنه بدأ بعد التحرير بأربعين مليار دولار فقط، كما نسي أصحاب الاقتراح أن حقل برقان الذي كان أعظم حقل في العالم بسهولة وغزارة إنتاجه أصبح الآن كهلاً يحتاج إلى ضخ أموال وتكنولوجيا جديدة لاستخراج النفط منه.
العقل يقول أن نحوِّل هذه الموارد إلى نعمة دائمة لكي لا نقع في غلطة فنزويلا وجزيرة ناورو، وذلك بالاستخدام الأمثل لها باستثمارات مدرّة ودائمة، وتطوير البنية التحتية لتحقيق أهم أهداف الدولة، وهي المزيد من الإيرادات غير النفطية وتوظيف الشباب وتحسين معيشتهم.
ولو فكرنا «صح» لوجدنا أن الفرصة مناسبة لتحقيق حلم الشيخ ناصر ووالده الشيخ صباح، يرحمهما الله، في رؤية مدينة الحرير التي تتكون من منطقة حرة كبيرة بجانب ميناء مبارك ومنطقة صناعية وفنادق ومارينا وملاعب رياضية وملعب غولف ومجمعات تسوق ومدينة سكنية، وكل هذا يحتاج إلى تطوير البنية التحتية واستثمار مبالغ مليارية لن تستطيع الميزانية توفيرها، وهنا يأتي دور الإيرادات الجديدة والصندوق السيادي لتوفير مبالغ استثمارية ستأتي بآلاف الفرص الوظيفية والعوائد المالية غير النفطية، ولكن المهم أن تكون استثمارات فعلية لا شعبوية أو سياسية، بمعنى أن تكون مدرة للدخل ومحمية من الفساد.
ولا ينبغي حصر إصلاح وتجهيز الأراضي في مدينة الحرير فقط، بل ينبغي شمول هذا التوجه لجميع أراضي الكويت لإعدادها لمختلف النشاطات الاقتصادية، مثل الصناعات التي تقوم على البترول الخام والصناعات التحويلية والخفيفة والحاضنات الحرفية والمشروعات المتوسطة والصغيرة والأسواق المركزية، بحيث تقدم خدماتها في جميع مناطق الكويت، وتنهي بذلك الاحتكار والغلاء في المناطق الصناعية الحالية، وتوفر فرص عمل حقيقية منتجة لشباب الكويت لا للعمالة الوافدة، ومحمية من سيطرة كبار التجار عليها.
كما يجب البدء منذ الآن في الاستثمار بمشروعات الطاقة البديلة وتوفير الأراضي والدعم لها، مما يساعد على مقابلة الاستهلاك المتزايد على الطاقة في المستقبل.
وكذلك يجب أن تستخدم الإيرادات الجديدة في إطفاء عجز «التأمينات» البالغ 20 مليار دينار، وإصلاح بنود القانون المؤدية للعجز قبل وقوع العجز على رأس المتقاعدين.