يا سبحان الله، كيف انتقلنا من قلة من المتعلمين في الكويت إلى «تخمة» في حملة شهادات الدكتوراه المزورة، وكأنه لم يبق أحد بيننا إلا وأطلق على نفسه لقب دكتور؟ تخيل أنه خلال فترة الخمسينيات حتى منتصف ستينيات القرن المنصرم كانت الإذاعة الكويتية تعلن أسماء الناجحين من الصف الرابع المتوسط إلى الصف الأول الثانوي، وكان المذيع يقوم بقراءة أسماء هؤلاء الناجحين الذين كان يزيد عددهم على السبعمئة طالب وطالبة قرابة الساعة أو الساعة والنصف!! «عالم فاضية»، لكن ماذا تقول في بيئة كانت تشكو من ندرة المتعلمين؟

ولقلة المتعلمين الكويتيين خلال تلك الحقبة الزمنية الغابرة نجد أن آخر بند من المادة 82 من الدستور يشترط في المرشح لعضوية مجلس الأمة (أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها)، إذ كان يكفي لمشرع المستقبل أن «يفك الخط»، ليكون عضو البرلمان الكويتي، وهو المكلف بتشريع قوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية فنياً ومحاسبياً، وما زال يعمل بهذا الشرط حتى يومنا هذا.

Ad

وتخيل كذلك أن أقصى ما حققه هذا البرلماني من نجاح على مقاعد الدراسة هو إنهاء المرحلة الابتدائية، ورغم ذلك يحق له أن يتحكم بمصير حملة الدكتوراه من التخصصات النادرة، وبتشريعاته «القاراقوشية» أو «الحلمنتيشية» يقرر مستقبل أطباء ومهندسين وخبراء وفنيين وغيرهم من بناة المجتمع، وفوق هذا وذاك، فإن هذا العضو محصن ضد أي مساءلة، حتى لو أخطأ في حق كل الأطباء أو كل المهندسين، دون قصد طبعاً، ولا أجد نفسي مبالغاً إذا قلت «وقد يدمر مستقبل أمة بكاملها».

في تلك الفترة عندما كنا نسمع أن فلاناً خريج جامعة كنا نعتقد أنه بذل جهداً جباراً حتى استطاع أن يحقق هذا الإنجاز العلمي المرموق، فما بالك بالحاصلين على درجة الماجستير؟ أما حملة الدكتوراه فهؤلاء حكاية أخرى يعجز اللسان عن تصوير الهالة التي أسبغت عليهم إجتماعياً في الكويت، فهم الصفوة والطبقة العلمية «إليت» أو (Elite)، وبسبب المكانة العلمية الرفيعة للمتعلمين في المجتمع، كان بعض الفاشلين في الدراسة يبذلون المستحيل للحصول على أي شهادة جامعية حتى لو كانت من جامعة لم يسمع بها أحد من قبل، أو غير معترف بها، هذا إن كان بيننا من يعير الاعتراف الأكاديمي أي اهتمام، وسبب هذا الاهتمام بالجامعيين، كانت الدرجة الوظيفية الرابعة في سلم الوظائف الحكومية تمنح فقط لخريج الجامعة، حتى إن لم تقم جهة العمل بإجراء أي معادلة شهادة أو للمكانة العلمية لهذه الجامعة أو فحص لنوعية التخصص أو لدرجاته العلمية.

ولهذا وجد كثيرون من الكويتيين المستظلين بالشهادات العلمية المزورة في فترة الغزو العراقي الآثم لبلادنا، وفي وجودهم بعيداً عن الوطن، فرصة الحصول على درجات علمية عالية من جامعات «دكاكينية» غير معترف بها حتى في بلدانها، دون الحاجة إلى الحضور لقاعات المحاضرات وبمقابل مادي زهيد، حتى تكاثر المزورون لشهادات الماجستير والدكتوراه بطريقة مخجلة، لمجرد التهافت على وضع حرف الدال قبل أسمائهم من باب الوجاهة العلمية المزيفة، وإلا فكيف صار أحدهم حاصلاً على شهادة الدكتوراه من جامعة أجنبية وهو الذي لم يغادر الكويت أثناء فترة الاحتلال، ولم يكن أحد يعرف حينها ما يسمى بالتعليم أون لاين، أو (Online Higher Education)، ولم يكن يلقب بـ«الدكتور» قبل الغزو العراقي، فكيف صار دكتوراً منذ اليوم الأول للتحرير؟ أنا شخصياً أعرف أحدهم من الذين لم يحصلوا على الثانوية العامة حتى يومنا هذا، لكنه يعلق في مكتبه شهادة الدكتوراه وشهادات ماجستير في تخصصات متفرقة، ولو سألته عن اسم الجامعة التي منحته هذه الشهادات لما استطاع أن ينطقها بطريقة صحيحة.