أنا على قناعة تامة بأن ليس كل قول أو ادّعاء يرد عليه بحقائق دامغة أو حجج منطقية، فقد يكون السكوت أكثر تعبيراً من الكلام، وقد يكون الرد بالفعل أبلغ، أو قد تكون السخرية الصريحة أصدق أنباءً من السخرية المبطنة.

شاهدت في إحدى المرات مشهداً تمثيلياً للفنان حسن البلام وهو «يقلّد» الرئيس الأميركي «ترامب» واستمتعت بذلك الأداء المرح، ولا يُستغرب هذا حسن الذي أبدع في تقليد الشخصيات المعروفة بداعي المداعبة، أو أحياناً بداعي التهكم والاستخفاف لمن يستحق ذلك، كما جسّد الفنان داود حسين شخصية الطاغية الهالك «شارون».

Ad

بصراحة، توقعت أن الفنان حسن البلام سيقوم بتقليد شخصية «نتنياهو» في هذه الفترة العصيبة، لكن المفاجأة جاءت على عكس ما نتصور، وسبق «نتنياهو» حسن! ومثّل بنفسه مسرحية فكاهية ساخرة في الكونغرس الأميركي، وكأنما سرق السيناريو من حسن! الذي من المفترض أن يمثله للتهكم على الصهاينة وجسارتهم في الكذب اللامحدود!

قد كان الخطاب الذي ألقاه «النتن» يشابه كثيرا النصوص الساخرة التي أضحكتنا في المسلسلات، فقد عكس «النتن» جميع الحقائق تماماً، وكذب كذباً تستحي منه المومسات، وقال بكل وقاحة: إنها حرب المدنية المتحضرة على البربرية! وإن ما حدث في السابع من أكتوبر يشبه ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر! وقال إن الفلسطينيين اغتصبوا النساء وقطعوا رؤوس الرجال وحرقوا الأطفال! ثم جاء بأحد صعاليك البادية الخونة ليعزز موقفه! ثم اتهم المتظاهرين الأميركيين الشرفاء الرافضين لهذه المجازر ولهذه الهمجية البربرية بأنهم أذرع إيران! وقال إنه يساعد غزّة بالماء والدواء والمعونات الغذائية يوميا! ثم يتمسكن كالعادة بترديد أسطوانة «الهولوكوست»!

والحضور «مبرمج» أن يصفق بحرارة على كل جملة افتراء يقولها «النتن»، حتى أنه أخرسهم من فرط هذا التصفيق المفضوح، ونهرهم قائلاً: «لا، لا، لا تصفقوا واسمعوا»، وكأنه ينبههم «اضبطوا المسرحية يا شباب، فضحتونا».

في الحقيقة لم أستغرب من قوة تمثيل «نتنياهو»، فاليهود الصهاينة ملوك الكذب بلا منازع، لكن المضحك في الموضوع أنني لم أتوقع أن أرى «مطبلين أميركيين» أفشل أداءً من المطبلين العرب! ولم أتوقع أن يتحول أعضاء الكونغرس الأميركي إلى مجموعة من «الكومبارس الرخيص» الذي لا يميز بين تصفيق الملاعب وتصفيق السياسيين في القاعات!