حينما يقرأ أحدنا كتابًا أو رواية عن الفقر وآلامه، والمآسي التي يجر إليها، فإن ذلك قد يدفعه إلى الابتعاد عن الفقر بمزيد من العمل والجد والاجتهاد، ومحاولة توفير المال للحالات الطارئة مثلا، وحينما يقرأ عن المصائب والمشكلات التي تحل بالعائلة نتيجة الطلاق وتباعد الأزواج فإن ذلك يكشف له عن عمق الألم الذي يصيب أفرادها، خاصة الصغار، من تأثير الطلاق، وربما حاول تجنب حدوث ذلك له شخصيّاً أو للقريبين منه، والأمر ينطبق كذلك على الجوانب الإيجابية، حين يقرأ عنها أحدنا ويحاول أن يظفر بها.

يمكن بالطبع الوصول إلى النتيجة نفسها بالاستماع إلى قصص الآخرين، لكن قراءة الروايات تعطي قارئيها تجارب مكثفة في أوقات وجيزة، وفي الغالب تقدّم دروساً في الجوانب الإيجابية والسلبية يمكن أن ينهل منها القارئ، لكون الكتاب يتيح في الغالب إمكانيةً لتفكيرٍ أعمقَ في المشكلات، وتساعد في تبلور آراء القارئ لكونها تعكس آراء متعددة.

Ad

تقول سفيتلانا أليكسيفيتش، الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب 2015: «عليّ أن أؤلف كتابًا عن الحرب بحيث يشعر القارئ بالغثيان منها، وكي تغدو فكرة الحرب ذاتها كريهة مجنونة، كي يشعر الجنرالات أنفسهم بالغثيان». (من كتاب ليس للحرب وجه أنثوي، ص20، دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع والترجمة، د. نزار عيون السود).

تتحدث أليكسيفيتش في هذا الكتاب عن الحروب ومآسيها، والجوانب التي لا يحكي عنها البعض ممن يفضل الحديث عن نتيجة الحرب فقط وهي النصر، أما الحديث والكتابة عن مآسيها وما نتج عنها من أهوال وآلام عاناها الناس، وخاصة النساء والأطفال، فلا أحد ينطق بها أو يكتب عنها.

تحدثت عن أسر بكاملها قتلت، وقرى دمرت، وعن إحدى القرى التي أبيدت بالكامل حجرًا وبشرًا ولم يبق من سكانها أحد، وانشغل بدفنهم آخرون على مدى شهرين! كما تحدثت عن حالات تعارف وحب حصلت في خنادق الحرب، لكنها انتهت هناك أيضًا من جراء قذيفة غبية، تحدثت أليكسيفيتش بالفعل عن الحرب بشكل يثير الغثيان، وينفر الناس منها، وهو الأثر الذي أرادته من كتابها.