مع تواصل سياسة هروب قادة الكيان الإسرائيلي إلى الأمام يستمر خلط الأوراق في المنطقة، وهو أمر يبدو أنه يمثل سمة المرحلة الراهنة في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة، ويعدّ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على المستوى الأمني آخر الحلقات في سلسلة عمليات دأبت قوات الاحتلال منذ عقود على تنفيذها ضد قيادات الحركات الفلسطينية المقاومة بمختلف توجهاتها داخل الأراضي المحتلة وخارجها.

عملية اغتيال هنية تمثل في جوهرها ضربة رمزية لإيران نفذت في قلب طهران وجاءت كحركة تهدف إلى زعزعة الثقة بالمحور الذي تتزعمه طهران في المنطقة.

Ad

رسالة حكومة الحرب التي يقودها نتنياهو لا تزال تحت تأثير مفاعيل الهجوم الذي شنته فصائل المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي، وعجزها عن حسم معركة غزة وتحييد المقاومة، رغم الجرائم الدموية المرتكبة بحق المدنيين العزل في القطاع، كما أن هذا التزامن بين اغتيالي هنية في طهران والقيادي في حزب الله فؤاد شكر في بيروت، يعزز فرضية توجيه الرسالة إلى إيران رأسا.

من هذا المنطلق يبدو الكابينت الأمني للاحتلال راغبا في توسيع الحرب كسيناريو بديل، رغم ما يطرح من أسئلة بشأن مدى استعداده لتحمل نتائجها في ظل هشاشة الجبهة الداخلية وتصاعد المعارضة المطالبة بالتوصل لصفقة الإفراج عن الأسرى لدى المقاومة.

رغم كل هذه الملابسات يصر نتنياهو ومساعدوه، متعللا بهجوم الجولان المحتل، على فرض السيناريو التصعيدي وانتهاج سياسة تخريب مسار المفاوضات الساعية إلى وقف العدوان على غزة، لكن ووفقا لكل الحسابات الواقعية، يبدو سيناريو الحرب الشاملة خيارا صعبا حذر من تداعياته أغلب الخبراء الاستراتيجيين، في حين يطرح عدد من المراقبين إمكانية تمدد شبح الاغتيالات إلى مناطق أخرى تقيم فيها القيادات الفلسطينية، ولعل تسارع المواقف الإقليمية والدولية لإدانة الاغتيال والتحذير من تداعياته يشير إلى انعكاسات مثل هذه العمليات على استقرار المنطقة.

يبدو نتنياهو، رغم الانتصارات التكتيكية التي حققها، في دائرة مفرغة يحاول استغلال الربكة الأميركية محاولا استباق نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي كل الأحوال ورغم الضريبة العالية لهذه المواجهة، يبدو أن قرار الحرب في جبهة الشمال والجنوب تجاوز فعليا القيادة الإسرائيلية الحالية، التي باتت رهينة تطورات مواجهة ميدانية معقدة، وفي كل الأحوال لن يكون قرار الحرب بدون تداعيات عميقة، قد تساهم في تغيير عدة مسلمات استراتيجية، باعتبارا سيناريو حرب الكل ضد الكل سيجعل إسرائيل، رغم قدراتها العسكرية والدعم الاستراتيجي الأميركي الحلقة الأضعف، في ظل تعقد الأزمة وتشابك تأثيراتها وتعدد الفاعلين فيها، ليبقى السؤال الأكثر أهمية: هل سيحدد كلا المحورين سقفا للهجمات المتبادلة مثلما ما حدث في أبريل الماضي؟ أم أنها ستكون معركة أوسع يمكن أن تمتد شظاياها لعدة مناطق في الإقليم؟