«الجمل لا يرى عَواجَ رقبته»، مثل عربي واضح معناه، فهو يُقال لمن لا يرى إلا عيوب ومثالب وأخطاء غيره، وهناك مثل آخر يُعطي المعنى نفسه، وهو: «الجمل لا يرى سنامه».

وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ذلك: «يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه».

Ad

وقيل قديماً: لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس، ومَن تتبع عيوب الناس مشنّعاً بهم كان جزاؤه من جنس عمله، فمَن تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، ومَن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته. وقد سمع أعرابي رجلاً يَقَع في الناس، فقال له: قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس، لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها.

وقال حكيم في ذلك: لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه. وقال آخر: كفى بالمرء إثماً ألا يكون صالحاً، ثم يجلس في المجالس ويقع في عرض الصالحين. وقال غيره: إذا رأيتم الرجل موكّلاً بعيوب الناس، ناسياً لعيوبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ به، فالإنسان، لنقص فيه، يتوصل إلى عيب أخيه مع خفائه، وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهوراً مستحكماً لا خفاء به.

وقال شاعر في ذلك:

قبيح من الإنسان ينسى عيوبه

ويذكر عيباً في أخيه قد اختفى

ولو كان ذا عقل لما عاب غيره

وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى

وقال آخر:

لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا

فيهتك الله ستراً عن مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا

ولا تعب أحداً منهم بما فيكا

فالانشغال بعيوب الغير يجر العبد إلى الغيبة، ومن عاب في الناس عابوا فيه، وأكثروا عليه، وأبدوا منه ما كان يُسترُ.

وقد لقي زاهدٌ زاهداً، فقال له: يا أخي، إني لأحبك في الله، فقال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك.

فليس هناك إنسان خالٍ من العيوب، فكل إنسان خطَّاء، ولكن خير الخطائين التوابون.