أنتم أحرار... وهم أحرار
لست معنياً بتأبين زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، ولست معنياً أيضاً بالاعتراض عليه، فأنا كتبت منذ زمن أن فلسطين ليست قضيتي، لكنني معنيّ بهذا الاحتقان والصراع الحاد بين مَنْ يؤيد الترحم عليه وبين مَنْ يصر على لعنه وإدانته لعدة أسباب.
هذا يذكّرني تماماً بالصراع، أو في واقع الأمر، بالحملة التي شنتها قبل سنوات جريدة الوطن على الذين دعوا إلى تأبين عماد مغنية، أحد زعماء «حزب الله».
الاثنان، مغنية وهنية، مناضلان عربيان باتجاه إسلامي ضد إسرائيل، والاثنان تم اغتيالهما من قِبل عملاء إسرائيل، رغم أن إسرائيل لم تعترف باغتيال مغنية.
الاثنان تم اغتيالهما في الدول الحاضنة لهما، هنية في إيران، ومغنية في سورية... الفارق هنا أن أحداً لم يتهم النظام السوري بالتواطؤ لقتل مغنية، بينما أخذ الكثيرون راحتهم في اتهام النظام الإيراني بالإسهام في عملية الاغتيال.
المؤيدون لمغنية أو هنية يبنون تأييدهم على أن الرجل مناضل ومجاهد ضد الكيان الصهيوني، حسب وصفهم، والمعارضون يدينون مغنية بحادثة اختطاف طائرة الجابرية التابعة للخطوط الجوية الكويتية - رغم أن الحكومة الكويتية لم تتهمه - فيما المعارضون لهنية يتهمون حركة حماس، التي يرأسها، بمساندة العدوان العراقي، والاعتراض على تحرير الكويت.
أنا قلت إن فلسطين ليست قضيتي، لكن هذا لا يعني أننا ننسى العربدة والتنمر الإسرائيلي، سواء في غزة أو العدوان على سورية أو إيران، لا لشيء إلا لأن لنا ظنوناً حول ضحايا التنمر والعربدة الإسرائيلية. الذين يشمتون في وفاة هنية يؤيدون بعلم أو من دونه العدوان والتنمر الإسرائيلي، ويشاركون في اضطهاد الأبرياء من ضحايا هذا التنمر في فلسطين ولبنان.
إننا في مجتمع يحترم حرية الرأي، أو المفروض ذلك، لهذا فإن الترحم أو استذكار ما يعتقد البعض منّا أنه بطولات مغنية أو هنية، يبقى حقاً لهذا البعض، وليس من المفروض أن يسبِّب هذا ألماً أو صدمة للغير. لكننا بالطبع في مجتمع أو وضع غير ديموقراطي، مع الأسف، تعوّد الكثيرون منّا فيه أن يفرضوا رأيهم على الغير، وأن يُملوا رغباتهم ومعتقداتهم على الآخرين.
لا أعلم إن كان حقيقة أم لا... إلا أنه من المؤسف أن تنصاع الحكومة لرغبة البعض في الانتقام، وتمنع المكلومين بفقدان هنية من التعبير عن حزنهم ومواساة بعضهم.
إسماعيل هنية بطل وشهيد في نظر البعض، وفوق هذا هو ضحية التنمر والعربدة الغربية، ومن حق هؤلاء إعلان تكريمه، ومن حق محبيه أن يبكوا عليه، ومن حقنا نحن أن ندين اغتياله.