«على أي حال»

نشر في 05-08-2024
آخر تحديث 04-08-2024 | 19:31
 د. بلال عقل الصنديد

تمتلك مؤلفات التنمية البشرية قوة عجيبة في نقل الأفكار والقيم الإيجابية للقراء، ومن بين المؤلفات الملهمة التي تحمل رسائل قوية وحكماً صائبة كتاب «على أي حال» Anyway للكاتب الأميركي «كينت كيث» كواحد من أشهر الأعمال في هذا المجال، حيث نجح المؤلف من خلاله بنقل فلسفة متكاملة للقرّاء لتحسين نوعية الحياة وأنماط العيش بسعادة وحرية.

ففي بداية الألفية هزّ الكتاب المذكور عالم الطباعة والنشر وشكّل ظاهرة عالمية، حيث تمت ترجمته الى عدد من اللغات وبيع منه ملايين النسخ في مختلف أصقاع الأرض... وقد انطلقت نواته الأولى في سبعينيات القرن الماضي، حين وضع الكاتب قائمة بعشر وصايا أساسية مستوحاة من تجاربه الشخصية وفلسفات مختلفة، عرفت بـ«الوصايا المتناقضة» التي نقلت واضعها من عتمة الكواليس إلى عالم الضوء الصحافي ومن ثم إلى الشهرة التي بلغت أنحاء الكرة الأرضية. فمن خلال تكرار مقولة «على أي حال» في كل وصية من وصاياه، نصح المؤلف كل من يريد أن يعيش حياة سعيدة مطمئنة بأن يقرّ بوجود الآفات المجتمعية الرئيسة وألا يحاول نكرانها أو تجاهلها، والإصرار على التصالح مع أصحابها ومعاملتهم بالحد الأعلى الممكن من الحكمة والتفهّم والمحبّة، فليست السعادة دائماً بالنجاح في السيطرة على كل شيء والمعاندة لبلوغ الذروة، بل تكمن في تقبل الحياة كما هي بكل تناقضاتها وصعوباتها وإخفاقاتها وبجميع أخيارها وأشرارها. وعلى الرغم من حقيقة أن «الناس غير منطقيين ولا تهمهم إلا مصلحتهم» فإنه لا ينبغي معاندتهم ومخاصمتهم، ذلك لأن المرء ليس «أفضل من أي شخص آخر، ولا أحد أفضل منه» كما أن الإنسان «يمكنه أن يكون سعيداً أو يمكنه أن يكون على حق، ولا يمكنه أن يكون الاثنين معاً»، فمن مقتضيات حياتنا المشتركة مع معظم البشر الذين نختلف معهم في القناعات والتصرفات أن نتجاوز عمّا يبدو لنا أنهم أخطؤوا فيه وأن نحبهم «على أي حال»، ولا يثنينا عن ذلك واقع أن «فاعل الخير سيتهمه الناس بأن له دوافع أنانية خفية»، وأن «كل خير نفعله اليوم سيُنسى غداً» أو أن «الصدق يجعلنا عرضة للخطر»، أو أن «الناس يحبون المستضعفين لكنهم يتبعون المستكبرين» فجهادنا يجب أن يكون «على أي حال» من أجل الخير والصدق ونصرة الضعفاء المظلومين والمقهورين.

وفي مقاربة الحياة ككل، يؤكد الكاتب بأن «لا أحد يفهم الحياة، فلا داعي للقلق»، وبخاصة أن «ما نراه هو ما نحصل عليه، وما نحصل عليه هو ما نراه» فكل مُقدّر سيحدث و«ما ننفق من سنوات في بنائه قد ينهار بين عشية وضحاها»، وحتى «الناس الذين نحبهم سيتركوننا»، فلنعش «على أي حال»، ولنسع إلى تحقيق النجاح الذي حتماً سيكسبنا «أصدقاء مزيفين وأعداء حقيقيين» فلا نهتم للآراء السلبية ولنتجاوز العقبات بإرادة وعزم، ولـ«نعطي العالم أفضل ما لدينا، حتى لو قوبل عطاؤنا بالإساءة»، وحتى لو أن «أعظم الرجال والنساء الذين يحملون أعظم الأفكار يمكن أن يوقفهم أصغر الرجال والنساء الذين يملكون أصغر العقول».

في ملخص القول، إن الحياة السعيدة تقتضي الإيمان والعيش بمجموعة من القيم التي لم تغفل عنها الأديان السماوية ولا الحضارات الإنسانية ولا الفلسفات الموضوعة، وفي مقدمة ما يجب أن نتحلى به من مكارم وصفات تأتي النزاهة والأمانة وعدم الوقوع في فخ المقارنات مع التركيز على تنمية المهارات والتطوير الذاتي والتصالح والتسامح مع أفعال وقناعات الآخرين وعدم الحكم المتسرع والمسبق على ظاهر الأمور والسلوكيات.

الثقة بالقيم والمقدرات الشخصية، وعدم الانكسار أمام الصعوبات، والاستفادة من الدروس والأخطاء، والتفاؤل والاجتهاد، وعدم الانشغال بالخلافات والصراعات، وحسن الموازنة بين العمل والعائلة، والاهتمام بالصحتين الجسدية والنفسية... كلها مفاتيح لتحقيق السعادة والنجاح.

***

قد تبدو مقاربة نصائح التنمية الذاتية شيئاً من التنظير الصعب التطبيق على أرض الواقع، إلا أنه صار ثابتاً في العالم أن نظريات التنمية البشرية هي من أهم الأدوات التي يمكننا استخدامها لتحسين حياتنا، فهي تُقدم لنا أفكاراً قد تكون جديدة علينا، وقد تذكرنا بحقائق غفلنا عنها، ولكنها- رغم ذلك- ضرورية لتحقيق أهدافنا، والتغلب على التحديات، والعيش بسعادة ورضا... فكيف نستفيد من نظريات التنمية الذاتية؟

لا بد أولاً من «تحديد الأهداف» والمقاربة الواقعية والمدروسة لأحلامنا وطموحاتنا، والتيقن مما نريد أن نحقق في هذه اللحظة من حياتنا؟ ومن ثم ننتقل لوضع «خطة عمل» تجيب عن أسئلة كثيرة من ضمنها: ماذا علينا أن نفعل؟ وما القرارات التي علينا اتخاذها والخطوات التي يجب اتباعها؟

وهنا تتبدى أهمية «الصبر والمثابرة» وعدم توقع تحقيق النتائج المرجوة بين عشية وضحاها، فقد يحول بيننا وبين بلوغ الهدف مسار طويل ومليء بالتحديات التي يقتضي التعامل معها بمرونة وحكمة وإيمان بالذات مع إدارة حصيفة للوقت.

ومن أهم النصائح في هذا السياق ضرورة «الاعتراف بالأخطاء والعيوب والنواقص» والتعلم من دروس الإخفاقات التي سببتها، فلا يجوز للخوف وللفشل وللخسارة أن تحبطنا ولا أن تحيدنا عن تحقيق الأهداف، وهذا ما يجب أن يترافق مع «تغيير جذري في القناعات المغلوطة والعادات السيئة» والبقاء متحفزين ومستعدين لمجابهة التحديات بأساليب مبتكرة لم نكن معتادين عليها... ولا يعيبنا في كل ما سبق- إذا اضطررنا لذلك- «طلب المساعدة» من المتخصصين وأفراد العائلة والأصدقاء والمحبين.

* كاتب ومستشار قانوني.

back to top