تعدّ سمكة الصبور من الأسماك البحرية اللذيذة والمرغوبة لدى أهل الكويت وسكان شمال الخليج العربي والتي لا يستغنى عنها على المائدة في أشهر الصيف، حيث يتم تحضيرها بحشوها بالبصل والثوم المخلوط بالبهارات الكويتية، ومن ثم شويها بالتنور المنزلي أو عند الخباز، وتقدم على المائدة مع الرز الأبيض والدقوس، وتتميز الصبور بطعمها الدهني اللذيذ مع غزارة الشوك في جسمها مما يتطلب التروي والحذر عند تناولها.

وقد تدنت الأعداد المصيدة من هذه السمكة في السنوات الأخيرة واختفت تقريبا في سوق السمك، وبحكم عملي كباحث علمي لسنوات طويلة ومديرا بدائرة الزراعة البحرية والثروة السمكية التابعة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية أود أن أوضح في هذه المقالة أسباب ندرة الصبور وأبين طرق حمايته وإكثاره.

Ad

تعيش الصبور، وتسمى باللغة الإنكليزية «شاد» (shad)، في مياه البحار المحاذية لمصبات الأنهار لكونها تحتاج الى دخول النهر في أوقات تكاثرها والتوغل بداخله إلى مسافات طويلة حتى تضع بيوضها في المياه العذبة، وهناك عدة أنواع من سمكة الصبور (حوالي 30 نوعا)، تعيش في المياه الدافئة والمعتدلة حول العالم، وتختلف أنواع الصبور في أحجامها، فعلى سبيل المثال يصل حجم الصبور الأميركي الذي يعيش على السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأميركية الى 7 كيلو غرامات في حين لا يزيد حجم نوع الصبور المعروف في الخليج العربي على 3 كيلو غرامات، واسمه العلمي Tenualosa ilisha، وينتشر هذا النوع في بحار غرب المحيط الهندي وبالتحديد حول سواحل شبه جزيرة الهند وفي خليج البنغال على سواحل جمهوريتي بنغلادش وميانمار (بورما)، كما ينتشر في شمال الخليج العربي.

تعدّ سمكة الصبور من الأسماك المهاجرة حيث تدخل السمكة الموجودة في الخليج العربي في موسم تكاثرها شط العرب في العراق ونهر كارون وتشعباته مثل نهري أرفاند وبهمشیر في إیران، حيث تضع بيوضها في المياه والمستنقعات الضحلة، وتقضي صغار الصبور، بعد فقسها مدة سنة على الأقل في تشعبات شط العرب في الأهوار وأبو الخصیب وحول جزیرة السندباد وكذلك في تشعبات نهر كارون، وبعد ذلك تغادر الى البحر لتتغذى على الهوائم النباتیة والحیوانیة والدیدان حتى تصل سن البلوغ، حیث ترجع مرة أخرى مع أمهاتها الى النهر للتكاثر، ولذلك لا نرى في سوق السمك في الكويت صغار سمكة الصبور بطول 5-10 سم التي تسمى «فالو» لكنها متوافرة في سوق البصرة.

وتصطاد سمكة الصبور في موسم وجودها بالمياه الكويتية بواسطة الشباك وفي الحظرة وهي وسیلة لصید الأسماك تشید من الشباك الحدیدیة، وتنصب على الساحل ویدخل السمك بداخلها خلال المد ولا یستطیع الخروج عند الجزر، ویبلغ متوسط طول الصبور في شمال الخلیج العربي 37 سم وعمرها بین سنتين وأربع سنوات ویصل أقصى عمرها الى ست سنوات وأقصى طولها 49 سم، والصبور الموجود في الخلیج العربي لا یتعدى انتشاره عن منطقة شمال الخلیج والدلیل على ذلك أنه لا یصطاد في جنوب الخلیج.

تبلغ كمية ما يصطاد من هذا النوع من الصبور نحو مليون طن سنويا، وحصة بنغلادش وحدها نحو 490 ألف طن، أي ما يعادل 50 في المئة من مجموع المصيد الكلي، ويعمل في صيد الصبور مليون ومئتا ألف صياد، وتصطاد ميانمار ما نسبته 25 في المئة، و20 في المئة من المياه حول شبه جزيرة الهند، والباقي 5 في المئة في المياه الأخرى ومنها الخليج العربي.

وكان مصيد الصبور في مياه شمال الخليج العربي وداخل شط العرب ونهر كارون في الماضي كبيراً، حيث وصلت كميات المصيد في منطقة خوزستان، إيران عام 2003 إلى 6.800 طن تبعها انخفاض في السنوات التالية بلغ 82 في المئة وكان مصيد المياه الكويتية في السنة نفسها نحو 500 طن وتدنى إلى أقل من 100 طن في السنوات التالية، وهناك ما لا يقل عن 600 لنج خشب و1.400 زورق في عبدان (آبادان) تعمل في صيد السمك ومن ضمنها الصبور.

ومن باب التعاون لدراسة مناطق تكاثر الصبور في شط العرب، قام معهد الكويت للأبحاث العلمية ومركز علوم البحار في البصرة أواخر عام 1989 بوضع خطة تعاون مدتها سنتان لعمل مسح على مناطق تفريخ الصبور وأماكن انتشار اليوافع في شط العرب وتفرعاته، وقد شاركت أنا والزميل الباحث عادل حسن الصفار في شهر أبريل 1990 في هذه الدراسة، حيث تم نقل معدات شباك المسح ومواد جمع العينات إلى البصرة، وبالتعاون مع مجموعة من الباحثين من مركز علوم البحار تم تأجير سفينة طراد (شختورة) لعمل المسح، حيث بدأنا خلال يومين بأخذ عينات من المياه باستخدام الشباك الخاصة من عدة محطات متفرقة بداية من جنوب العشار وحتى جزيرة السندباد شمال البصرة بمسافة مجموعها نحو 25 كيلومترا، وتم حفظ العينات ونقلها الى معهد الكويت للأبحاث العلمية، وبعد أن تم فحص العينات تحت المجهر لم نجد أي آثار لبيوض أو يرقات الصبور، لذا تم الاستنتاج أن الصبور لا يضع بيضه في شط العرب في شهر أبريل، وتم وضع برنامج آخر لمزيد من الدراسة في الأشهر التالية، إلا أن الأوضاع التي أدت إلى الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت حالت دون ذلك.

أغلب مصيد الصبور من الأنهار والقليل من البحار، وذلك يرجع إلى طبيعة حياة الصبور وضرورة نزوحها للأنهار الضيقة كجماعات للتكاثر وبالتالي تكون معرضة للصيد الجائر والنشاطات الآدمية الأخرى بشكل أعلى من الأسماك البحرية التي لا تحتاج لدخول الأنهار، وعلى سبيل المثال لا يزيد عرض شط العرب على 500 متر في أغلب مناطقه، وبالتالي من السهل على صيادي الأسماك وضع الشباك الكفيلة بصد هجرة الصبور إلى داخل النهر أو بطريق خروجه الى البحر، كما أن انتشار صغار الصبور بين تشعبات وجداول الأنهار الضيقة يعرضها لسهولة الصيد وذلك من خلال وضع الشباك ذات الفتحات الصغيرة في هذه التشعبات.

ولهذا فإن معظم مخزونات الصبور حول العالم تعاني تدنياً كبيراً في كميات المصيد، وقد قامت عدة دول بوضع القوانين التي من شأنها الحد من تدهور مخزون الصبور والتي تتضمن حماية مناطق تكاثرها في الأنهار وتشعباتها من التلوث أو الردم ومنع صيدها، وهي في طريقها للتكاثر وإعطائها الحماية حتى تضع الأنثى البيض مع منع صيد الصغار، وقد أدت هذه القيود عندما تم تطبيقها بالشكل الصحيح إلى إنعاش المخزون كما حدث في أنهار بنغلادش، فبعد أن كان المصيد لا يزيد على 200 ألف طن في عام 2000 وصل إلى 520 ألف طن بعد عام 2017.

ومع نقصان الأعداد المعروضة للبيع من سمكة الصبور في السوق الكويتية، ارتفع سعرها أضعافا كثيرة عما كان سعرها في الماضي، وكانت هذه السمكة تعرض بكميات كبيرة بسعر زهيد، وقد حكى لي المرحوم العم عبدالعزیز بوراشد، وهو أحد أشهر صيادي الأسماك في الكويت، وكان رئيسا لاتحاد صيادي الأسماك لعدة سنوات، أنه كان لدیه في أوائل السبعینیات ثلاثة حظور منصوبة واحدة خلف الأخرى قبالة مستشفى الأمیري، وفي أحد أیام شهر أغسطس ذهب بعد الظهر لیتفقد مصید الحظور، وقد هاله ما رأى، حیث إن جمیع الحظور كانت مملوءة بالصبور، وقد رأى الأسماك فوق بعضها بعضاً على القاع عندما انحسر المد عن الحظرة الأمامیة، وبدأ في الحال بتأجیر سیارة وانیت كبیرة وأخذ یجمع السمك من الحظرة وینقلها الى الوانیت وطلب مساعدة بعض الأشخاص الموجودین على الساحل، واستمروا في نقل الصبور الى الوانیت حتى أذان المغرب، وبعد أن امتلأ الوانیت ذهب به إلى سوق السمك وباعها جملة بسعر 100 فلس للسمكة الواحدة، وكان سعرا جيدا في ذلك الوقت، ویقول إن كل هذه الكمیة من الصبور كانت حصیلة الحظرة الأمامیة والمتوسطة فقط حیث لم یسعفه الوقت لنقل مصید الحظرة الخلفیة.

ومما لا شك فيه أن تطبيق قوانين الحماية على مخزون الصبور في الخليج العربي بالشكل الصحيح ولفترة خمس الى سبع سنوات كفيلة باسترجاع حجم المخزون وزيادة في كميات مصيده.

وتجب الإشارة هنا إلى إن حماية مخزون الصبور في شمال الخليج تتطلب تعاون الدول المعنية بصيده، وهي الكويت والعراق وإيران لوضع قوانين الحماية والتعاون في تطبيقها وإلا فإن مصير مخزون الصبور في المنطقة سيؤول الى مزيد من النقصان، وقد يكون من المناسب أن يكون التعاون المطلوب بين الدول المعنية تحت منظمة عالمية من مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أو إقليمية كالمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية.

*مدير دائرة الزراعة البحرية والثروة السمكية بمعهد الكويت للأبحاث العلمية سابقا.