أصحاب التفسير التآمري للأحداث التاريخية والسياسية مرتاحون تماماً، ليست هناك أي حاجة عندهم كي يشغلوا تفكيرهم بالمنطق وأبجديات التحليل والاستنتاج العلميين، هم مستريحون من كل هذا العناء الفكري، كل ما عليهم هو أن يسايروا عقائدهم التي تقوم على أحداث مسبقة، ثم يصدرون أحكامهم على الواقع بيقين أكيد، كأنهم بذلك قضاة في محاكم، الفرق بين الاثنين أن المحاكم تبني أحكامها - في الأغلب - على دلائل عقلية أساسها المنطق القانوني الذي هو أساساً قائم على المنطق الأرسطي، بينما دعاة التفسير التآمري يصدرون أحكامهم بناءً على «عقيدة، ومشاعر، وتراكمات نفسية مرضية متوارثة».
برادي ديرك يعرّف النظرية التآمرية بأن قوامها دلائل بسيطة تهدف إلى تضييق نفق البحث والاستنتاج، هي أيضاً تقدم تفسيرات لأحداث غير مفهومة تظهر على أنها خطر أو كارثة تصيب الناس، فإذا حدث زلزال في بلد ما، قالوا إنها لعنة إلهية على بلد ابتعد أهله عن عقيدتهم، وإذا أصاب إنساناً مرضٌ خطيرٌ، مثل السرطان أو غيره من أمراض كمبيالة النهاية، قالوا هذه عقوبة ربانية، لأنه فعل كذا وصنع كذا، وفي أحسن الأحوال ربما يقول «شبه العقلاء» من هذا الفريق إنه ابتلاء للإنسان لا أكثر!
قاموس أكسفورد يقرر أن النظرية التآمرية هي نتاج اتفاق بين جماعات مصلحة، هي اعتقاد بأن بعض الوكالات السرية، ولكن المؤثرة (سياسية بالعادة) مسؤولة عن حدث غير مفسر. دعاة التآمرية هم في الأغلب يحملون دوغما (تطرّفاً) عقائدياً دينياً أو عنصرياً يسهّل لصق الاتهام اللامعقول للآخرين الذين يمقتهم أصحاب التفسير التآمري، فوحدهم يرون أنفسهم أنهم أصحاب الحق، وأن غيرهم المختلفين عنهم على باطل.
لاحظوا أن قوام الفكر التآمري هو الاعتقاد لا الدليل، أشباه المثقفين الذين يهرولون للترويج للتفسير التآمري يجدون ضالتهم في سذاجة جمهور لا يفكر بالنهج العقلي، وإنما ينقاد كالقطيع خلف هذا الكبش القائد الفكري الذي يقودهم إلى مستنقعات عميقة في الجهل والجمود التاريخيين.. هذا الكبش المثقف يفرح لنجوميته، وهي نجومية حالكة الظلام حين تستشهد بمقولاته التافهة أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لا بارك الله فيها. إلى أين تُقاد هذه الأمة المنكوبة في ثقافتها ووعيها؟!... اسألوا نجوم الظلام.