نفوذ الفصائل يُشيع أجواء التهديد في بغداد
أحكام سجن مشددة للمعارضين بتهمة الإساءة إلى مؤسسات الدولة
بينما يحاول الجناح المتشدد في البرلمان العراقي، تمرير مسودة لقانون «حرية التعبير وجرائم المعلوماتية» وُصِفت بأنها تُبالغ كثيراً في اللجوء إلى عقوبة الحكم المؤبد، واصل القضاء العراقي إصدار أحكام بالحبس المشدد، بحق ساسة وناشطين، بتهمة «الإساءة إلى مؤسسات الدولة»، مما أحدث ردات فعل غاضبة اعتبرت ما يجري بدايةً مقلقةً لعهد حكومة محمد شياع السوداني، المدعوم من كتلة «الإطار التنسيقي»، وهي المظلة الرئيسية لحلفاء طهران والفصائل المسلحة في العراق.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، صدر حكم بالحبس المشدد ثلاثة أعوام، على ناشط من بغداد يدعى حيدر الزيدي وينتمي إلى «حراك تشرين»، بتهمة الإساءة إلى هيئة «الحشد الشعبي»، أثر انتقاده، قبل أشهر، أحد قادة الفصائل واتهامه بقتل الناشطين خلال أحداث عام 2019.
وقبل ذلك بيوم واحد أصدر القضاء حكماً بالسجن 7 أعوام، على السياسي البارز مثال الألوسي، بتهمة الإساءة للقضاء، بعد أن انتقد، مع كثيرين طوال الأشهر الماضية، انحياز المحكمة العليا ل «الإطار»، خلال الصراع على تشكيل الحكومة، مع التحالف الذي ضم تيار مقتدى الصدر وقوى كردية وسنية أساسية.
وتصاعدت ردود الفعل الشعبية ضد هذه الإجراءات، إلى درجة جعلت الكثير من حلفاء رئيس الحكومة محمد السوداني أنفسهم، يوجهون دعوات إلى الفصائل للتراجع عن دعواها ضد ناشطين.
وتواجه حكومة السوداني حرجاً واضحاً في هذه الأجواء، خصوصاً بعد إطلاقها سراح متهم باختلاس أكثر من مليار دولار، قبل أيام، إلى جانب معلومات حول قرب إطلاق سراح متهم آخر مقرب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، سبق أن حُكم عليه في عهد مصطفى الكاظمي بالسجن لتورطه في التلاعب بمليارات الدولارات.
وسبق للقضاء أن أصدر عدداً من مذكرات التوقيف بحق ناشطين وصحافيين، بتهمة انتقاد المحكمة العليا، في وقت تتصاعد الانتقادات لمسودة قانون ينظم حرية التعبير ويعالج جرائم المعلوماتية، إذ وصفته جمعيات ومنظمات حقوقية بأنه «يسرف» في اللجوء إلى عقوبة السجن المؤبد، ويتضمن أكثر من عشرة أسباب تكفي للحكم بالحبس المؤبد، للمعارضين.
وقال ناشطون حقوقيون، إن المسودة تضمنت عبارات فضفاضة يمكن استخدامها بسهولة ضد المعارضين، من قبيل «الإساءة للنظام أو تهديد سلامة البلاد» دون تعريفات محددة، سبق أن طالبت بها منظمات محلية ودولية، ونجحت بالضغط طوال أعوام في عدم إقرار القانون.
ويقول الناشطون إنهم يشعرون بقلق جدي هذه المرة، إذ نجحوا طوال دورتين نيابيتين في الضغط لعدم تمرير القانون، مستفيدين من وجود «توازن» سياسي داخل مجلس النواب، بينما تمتاز الدورة الحالية بتشكيلة يغلب عليها الجناح المتشدد، بعد غياب مرير للعلمانيين واليسار، الذين قاطعوا انتخابات العام الماضي، فضلاً عن استقالة 73 نائباً عن الكتلة الصدرية، سمحت باستبدالهم بعشرات المرشحين الخاسرين الموالين للفصائل المسلحة، وأحدثت إرباكاً سياسياً وُصِف بأنه الأخطر منذ سقوط نظام صدام حسين.
وتعيش البلاد أجواء عدم استقرار واضحة، في ظل تهديد متواصل تطلقه الميليشيات، وهي تحتفل بعودتها القوية إلى السلطة. وشهد الشهر الأول من عمر حكومة السوداني، أسرع عملية تغيير للتخلص من حقبة الكاظمي، إذ جرى إلغاء مئات القرارات الحكومية، وإقالة نحو 900 مسؤول، خصوصاً في المؤسسة الأمنية والعسكرية، مع تنامي نفوذ الميليشيات في وكالات الاستخبارات والمعلومات.
كما جرى إصدار مذكرات استقدام وتوقيف بحق العديد من مساعدي الكاظمي، وإقالة ذراعه الأمنية البارزة، ومدير مخابراته، إلى جانب سحب حمايات رئيس الوزراء السابق، الذي يتردد أنه غادر البلاد قبل أيام، وسط دعوات من ممثلي الفصائل لمحاكمته، بتهمة «الخيانة» والتورط في مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومساعده العراقي الأوثق أبي مهدي المهندس، اللذين تم اغتيالهما في مطار بغداد بغارة أميركية مطلع عام 2020.