تشهد دول العالم، بما فيها الكويت، ازدياداً ملحوظاً في عدد المتقاعدين (تقدر أعدادهم في الكويت من 150 إلى 175 ألف متقاعد تقريبا) مما يلقي على عاتق الحكومات والمجتمعات مسؤولية ضمان حصولهم على رعاية صحية مناسبة تلبي احتياجاتهم وتعزز رفاهيتهم. ابتداء يجب أن نؤكد أن المتقاعدين قد قدموا للكويت في مجالهم خدمات كثيرة، وساهموا بشكل واضح في التنمية والإنتاجية خلال حياتهم العملية. ولذلك يجب أن يحظوا برعاية صحية متكاملة تضمن لهم جودة الحياة ورفاهيتها، سواء كانت رعاية وقائية أو علاجية أو تأهيلية أو نفسية.
وفي هذا المقال، سنناقش جدوى إقامة التأمينات الاجتماعية لمستشفى خاص للمتقاعدين في الكويت، مع التركيز على إمكانية وجود خياراتٍ أفضل وأكثر فعالية لخدمة صحة هذه الفئة المهمة من المجتمع. وبداية ومن المهم التمييز بين مصطلحي «المتقاعد» و«كبير السن»، فالمتقاعد هو الشخص الذي بلغ سن التقاعد الرسمي (65 عاما في أغلب دول العالم) أما في الكويت فقد يصبح الشخص متقاعدا في سن مبكرة نسبيا 55 عاما، بينما لا يوجد تعريف محدد عالميا لمصطلح «كبير السن»، ولكن التعريف الأكثر قبولاً في الأوساط العلمية بأوروبا وأميركا يشير إلى الفئة العمرية التي تزيد على 65 عاما (يتم تصنيفهم الى ثلاث فئات، الأولى من 65 إلى 74 سنة، ومنتصف العمر بين كبار السن: من عمر 75 إلى 84 سنة، والأخيرة وهم الأكبر سنا بين كبار السن: من عمر 85 سنة فما فوق)، وهنا تظهر الفروق الواضحة بين المصطلحين. ولذلك، فإن الحاجة إلى مستشفى خاص للمتقاعدين قد لا تكون ضرورية للجميع، خاصة أن الكثير من المتقاعدين لا يعانون من نفس الأمراض والمخاطر الصحية التي تواجه كبار السن.
وبالتالي يتوجب أن ننظر بعين فاحصة إلى فئة كبار السن التي ينتشر بينها اعتلال الصحة النفسية، مثل الاكتئاب والعزلة الاجتماعية، والتي تؤثر على رفاهيتهم، كما تشير الأبحاث الطبية إلى أن حوالي 35% ممن تزيد أعمارهم عن 60 عاما يعانون من اضطراب نفسي بدرجة أو بأخرى، كما تنتشر الأمراض المزمنة غير المعدية، حيث تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى إصابة 80% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عاما بمرض مزمن واحد على الأقل، مثل أمراض القلب والضغط والسكر والجهاز البولي وهشاشة العظام والكسور والسرطان، ومن المعروف أن هذه الأمراض تتداخل في عوامل الخطورة المسببة لها، لذلك فإن إدارتها بشكل فعال تحتاج إلى منظومة شاملة وليس إلى عزلها في مستشفى خاص، ومن الجدير بالذكر أن 50% من هذه الأمراض بالإمكان الوقاية منها عندما تطبق برامج الفحص الوقائية الدورية والتوعوية الموجهة لكبار السن (ومن بينهم المتقاعدون).
مما سبق يتضح وجوب التفريق بين المتقاعدين وكبار السن، فالمتقاعد ذو الـ50 عاما أو ما دون الـ60 مثلاً لا يجب أن يكون في فئة كبار السن، فهو ليس بالمعرض للمخاطر أو الأمراض التي يعاني منها كبار السن.
ولعل من أهم العوامل التي تدعو إلى إعادة طرح موضوع مستشفى المتقاعدين هو تجنب الازدواجية في تقديم الخدمات، وزيادة التكاليف التشغيلية لهذا المستشفى، بينما تسعى دول كثيرة من العالم المتقدم إلى تطوير خدماتها داخل النظام الصحي الموجود، وقد أثبتت الدراسات (اليابان والسويد وألمانيا وكندا) أن عزل كبار السن في مستشفيات خاصة له جوانب سلبية كثيرة، فهو نوع من العزلة، وكذلك عدم إمكانية توفير الخدمات التشخيصية والعلاجية الشاملة والمتكاملة التي توجد في المستشفيات العامة ذات البنية التحتية المطورة والخبرات الطبية التراكمية للكادر الطبي التي يجب الاستفادة منها في التعاطي مع أمراض كبار السن، كما أن دمج كبار السن في المستشفيات، كما ذكرنا مهم لتعزيز الصحة النفسية والاجتماعية وتخفيف الشعور بالعزلة.
إن إنشاء مستشفى خاص للمتقاعدين هو تكريس لمبدأ الازدواجية لتقديم الخدمات، والذي تئن منه أنظمة الرعاية الصحية في الكويت، فبعض المتقاعدين لهم أن يحصلوا على الدواء ذاته من مستشفى النفط ومن المستشفى العسكري ومن تأمين عافية في المستشفيات الخاصة ومن المستشفيات الحكومية المجانية الكبيرة.
أما بالنسبة لما يمكن أن تقدمه التأمينات للمتقاعدين ويكون ذا أثر وفعالية كبيرة فهو أن تتولى الرعاية الصحية طويلة الأجل والتأهيل المتخصص والرعاية الصحية المنزلية، ويمكن أن تستعين «التأمينات» بشركات متخصصة عالمية لتوفير هذه الخدمات المكملة، وفي هذا الصدد يمكن للتأمينات تأهيل مباني وزارة الصحة القديمة، كالعدان والجهراء والفروانية والصباح، لضمان تقديم هذه الخدمات السالفة.
ختاما نرجو مخلصين أن يعاد النظر في مستشفى التأمينات والمتقاعدين، حرصا على تقديم أفضل خدمة صحية مع ترشيد الإنفاق وإيقاف الهدر في نظام الرعاية الصحية بالكويت الذي يئن من الازدواجية، كما نؤكد ضرورة أن تنضوي جميع الخدمات الصحية التي تقدمها جميع الوزارات والمؤسسات تحت مظلة وزارة الصحة والأفضل إنشاء مجلس أعلى للصحة يعيد هيكلة منظومة الرعاية الصحية كلها وينقلها من النظام التقليدي الى النظام الحديث أسوة بالمملكة العربية السعودية.
* وزير الصحة الكويتي الأسبق