بين الحين والآخر تتجدد ادعاءات تنزع عن الأهرامات مصريتها، ويزعم مروجو تلك الإشاعات أن من شيَّد أبرز عجائب الدنيا السبع القديمة ليسوا مصريين، ناسبين هذا المنجز التاريخي والحضاري لأجناس أخرى، أو حتى لـ «كائنات فضائية»، مثلما ذهب أخيراً الملياردير الأميركي إيلون ماسك، قبل أن يرد عليه عالم الآثار المصري زاهي حواس، مفنداً ادعاءه بالأدلة الأثرية والعلمية.
«كائنات فضائية شيَّدت الأهرامات»، هذا ما قاله الملياردير الأميركي، الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا»، إيلون ماسك، ليفتح أبواب الجدل مجدداً بهذه التغريدة، التي كتبها على حسابه الشخصي بموقع «إكس».
رمسيس فضائي!
وزعم ماسك قيام الكائنات الفضائية بتشييد أهرامات الجيزة، وكتب في تغريدة أخرى أن الهرم الأكبر كان أطول بناء أتمه الإنسان على وجه الأرض على مدى 3800 عام، مشيراً إلى أن الملك رمسيس الثاني كان هو الآخر كائناً فضائياً!
في المقابل، قال عالم الآثار الشهير وزير الآثار المصري الأسبق زاهي حواس إن الأهرامات كانت المشروع القومي بالنسبة للمصريين، وإن عدد السكان الذين كانوا يعيشون في مصر، وقتذاك، ثلاثة ملايين نسمة، وكان هدفهم الرئيس هو بناء الهرم ليصبح الملك إلهاً.
وأضاف حواس أن كل هذه الشائعات التي يجري تداولها عالمياً ليست لها أي قيمة على الإطلاق، مضيفاً: «لدينا جميع الأدلة الأثرية والعلمية المكتوبة التي تُثبت أن المصريين القدماء هم بُناة الأهرامات، حيث يأتي ضمن تلك الأدلة كشف عمّال بناة الأهرام، من خلال اكتشاف (الجبانة السفلى الخاصة بالعمال بناة الأهرام)، على مسافة تبعد 300 متر فقط من الأهرامات».
إيلون ماسك يتراجع
وتابع: «قمت بالرد القاسي على تغريدة ماسك، من خلال صفحته الشخصية، وعقَّب بأنه أخطأ في التغريدة، وأوضح أن المصريين هم بُناة الأهرامات».
وأضاف: «من خلال المناظرات التي قُمت بها عالمياً يتم الرد على جميع الخرافات التي يتم تصديرها لنا، والتي منها مجموعة (الأفروسنتريك)، وأن الملكة كليوباترا كانت سمراء اللون، ويتم الرد من خلال المواقع العالمية للتحدث بلغة جميع الشعوب».
وأشار حواس إلى ما أسماه «الكشف الأهم»، وهو كشف بردية «وادي الجرف» التي تعود إلى عصر الملك خوفو، حيث جرى العثور عليها في ميناء وادي الجرف في شبه جزيرة سيناء، وهي مكتوبة باللغتين الهيروغليفية والهيراطيقية، ومن خلال هذه البردية تم شرح كيفية تشييد الأهرامات، بقطع الأحجار المخصصة للبناء، ونقلها عن طريق مراكب نيلية، مروراً بقنوات نهر النيل قديماً، فتلك البردية خير دليل على توثيق حقيقة بناة الأهرامات المصرية، والمعروضة حالياً في المتحف المصري.
ولم يقتصر الأمر على إيلون ماسك، فقد سبقه بأيام باحث في جامعة كامبريدج، يُدعى بيرس ميتشل، أعد دراسة نشرها في دورية علم الطفيليات بعنوان «أدفانسيس إن باراساتيولوجي»، من دون أن تحمل أي إشارة إلى أن موضوعها هو بناء الأهرامات، حيث تناولت أمراضاً كالملاريا والبلهارسيا عند الفراعنة.
لكن في إطار تناولها لهذه الأمراض، أشارت الدراسة إلى أن هذه الأمراض تسبب فقر الدم، الذي يُضعف القدرة على القيام بالأعمال الشاقة، وأن فقر الدم انتشر في مصر القديمة نتيجة الإصابة بالطفيليات، ما يعني - وفق الدراسة - أن الفراعنة كانوا سيواجهون صعوبة كبيرة في بناء آثارهم باستخدام قوتهم العاملة المريضة وحدها، بل لم يتمكنوا من بناء مصر القديمة التي نرى آثارها اليوم إلا باستخدام «عمالة مستوردة»، كالعبيد الذين جرى أسرهم في الحملات العسكرية.
وردًا على هذه المزاعم، قال كاتب علم المصريات بسام الشماع: «إن هذه المحاولة التي ترتدي ثوب العلم لسرقة إنجاز بناء الأهرامات، تُستخدم لأول مرة، لكنها ساذجة جداً، فمن السهل الرد عليها بفيض غزير من الأدلة العلمية والمنطقية، ابتداء من العينة التي جرى الاعتماد عليها في تلك الدراسة».
وفي دراسته المزعومة، قام ميتشل بفحص 31 مومياء فرعونية، بعضها يرجع تاريخه إلى عام 2000 قبل الميلاد، ووجد أن 65 في المئة منها كانت إيجابية لداء البلهارسيا، و40 في المئة مصابة بقمل الرأس، و22 في المئة تعاني الملاريا المنجلية، ما دفعه للقول إن «مثل هذا العبء المرضي لابد أن يكون له عواقب وخيمة فيما يتعلق بالقدرة على التحمُّل البدني والإنتاجية لنسبة كبيرة من القوى العاملة».
ورداً على ذلك، تساءل الشماع: «وهل يجوز علمياً أن نصل إلى حُكم عام نطلقه على عموم الشعب، من خلال عينة شملت 31 مومياء؟».
معبد الكرنك
وتابع: «بفرض أن المصري القديم استعان بأجانب في بناء الأهرامات، فلماذا أخفى ذلك وهو ليس بحاجة لإخفائه؟ فعلى سبيل المثال إن هناك رسومات تشير إلى مشاركة أجانب في بناء معبد الكرنك، كما أن مسألة وجود أمراض تنسحب على أي مجتمع، وفي الوقت ذاته هناك ما يشير إلى أن مصر القديمة كانت تتمتع بمنظومة صحية متطورة، وكان القدماء يمارسون الرياضة وبعض الألعاب التي نعرفها حتى يومنا هذا، ما يؤكد أن الدراسة تفتقر إلى دقة البحث العلمي الموضوعي».
محاولة ساذجة للسرقة