منذ السبعينيات، وعقب تخرُّجي في القاهرة، كُنت أتردَّد على العديد من الديوانيات، كديوانية الكاظمي، والمتروك، وحيات، والقطان، والأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري، إلى جانب ديوانية رابطة الأدباء.
لكن عقب عودتي من أميركا في أوائل الثمانينيات، تكثَّف نشاطي الاجتماعي، فازدادت زياراتي لديوانيات ربطتني علاقات وطيدة بأصحابها، كالسنعوسي، والهارون، ويوسف الجاسم، ود. عبدالجادر، ونجيب المطوع، وعبدالكريم الشمري وغيرهم. وكانت معظم الحوارات في الدواوين التي مرَّ ذِكْرُها رفيعة المستوى، ثقافياً، وفكرياً، واجتماعياً، وسياسياً.
***
أحياناً اصطحب بعض الأصدقاء إلى ديوانية، ويكون صاحب تلك الديوانية قد طلب من الصديق أن يدعوني معه لزيارة ديوانيته، فألبِّي الدعوة، وإليكم تجربة إحدى هذه الزيارات:
***
بعد السلام والجلوس وشُرب الشاي توجَّه لي أحدهم بهذا السؤال:
- أخ نجم، صحيح أن المقاومة الشعبية هي اللي قتلت أخاك مسافر؟
- حسب ما أخبرني المخرج عبدالعزيز المنصور، وكان مسؤولاً عن أحد المخافر، أن مسافر تقدَّم إليه وأعطاه خطاباً يحتوي على كل ما حدث معه، ويطلب منه أن يعتقله، لكي يُقدَّم للمحاكمة، لكن بعد أيام جاء أحدهم، وطلب إخراج مسافر من النظارة، وأطلق عليه الرصاص، وطلب ممن كانوا معه قطع لسانه، ثم ألقوا به في القمامة.
- مَنْ هو هذا الـ «أحدهم»؟
- ورثة مسافر على تواصل مع منظمات إنسانية يبحثون كل تفاصيل الأحداث، للوصول إليه.
- أخ نجم، شنو موقفك أنت؟
- الحروب حالة غير طبيعية، وما حدث لمسافر شيء غير طبيعي، لأن ما شاهده الناس في التلفزيون شيء يُدينه، لكن ماورائيات ظهوره شيء آخر.
وأنا أعرف أن مسافر كان يكره صدام، لأنه كان يسارياً، لكن المزايدات والعداوات جعلته ضابطاً في الجيش، والكثير من هذه المبالغات.
- تقول إن قضية مسافر معروضة على منظمات حقوق الإنسان؟
- هكذا قالوا لي، فقلت لهم مسافر مضى على وفاته أكثر من ثلاثين سنة، وعلينا أن ننسى الموضوع، ونكف عن نبش القبور.
- شنو كان جوابهم؟
- نريد أن نبرِّئ ساحة والدنا.
أخ نجم... وهنا تدخَّل صاحب الديوانية، وقال:
- نريد أن نعرف من الدكتور نجم بعض تجاربه في العمل الإعلامي والفني والأدبي.
***
واستمرَّت الجلسة، وطُرحت أسئلة كثيرة حول تجربتي الإعلامية، وبالذات عن السنوات التي أمضيتها في القاهرة، وتحديداً لقاءاتي مع الأدباء في برنامج أديب الأسبوع، وبعضهم ألحَّ عليَّ أن أحدثه عن مسرحية بني صامت، باعتباري مخرجها، وكيف كانت علاقتي بالمرحوم عبدالحسين والفنان سعد الفرج.
وانتهت الأمسية على خير قُرب صلاة الفجر.