في الصميم: لماذا خراسان؟ ولماذا العرب؟
هناك مَنْ يُعلن على الملأ ويفتخر بأنه علماني، وهو بالتأكيد حُر فيما يعتنق وبما يؤمن، وبما يكتب من وجهات نظر، سواء كانت من قريحته، أو من قرائح غيره، وبالطبع فنحن أيضاً أحرار في أن نصدِّق أو لا ما يدَّعيه.
العلماني الحقيقي - أحمد الله أني لست منهم - له مواصفات لا تنطبق على مَنْ يدَّعي ذلك، فالعلماني الحقيقي مهاجم وكاره ومنتقد، بلا استثناء، لكل الأديان والطوائف والمذاهب، وفي الوقت نفسه هو بعيد كل البُعد عن النَفَسْ العنصري. أما ما نراه من كتابات هذا الدَّعي، فهي بعيدة كل البُعد عن هذا التعريف، فالهجوم الدائم، بلا كلل ولا ملل، على حزب الإخوان والسَّلف - وأنا أيضاً لست من مؤيديهم - وكل مَنْ ينتمي إلى طائفتهم من منظمات وأحزاب، وتقليله المتعمَّد من شأن أمتنا العربية وقوميتها وتاريخها يتعارض مع تلك العلمانية المزعومة، بل هي عنصرية وطائفية مقيتة لا تُخطئها عيون القراء.
مدَّعي العلمانية هذا استهل مقالته بخبر قديم عن عمل إرهابي في موسكو، الكل نَسيه إلا هو، قُتل فيه وجُرح المئات من الروس على أيدي منتمين لتنظيم خراسان، وبعد لف ودوران عاد وأتحفنا بـ «تخريجة» راقت له، فقد اكتشف جنابه أن هؤلاء القتلة الإرهابيين الخراسانيين أصلهم عرب، لأن خراسان احتلها العرب قبل نحو 1400 عام.
أخونا أبى إلا أن يتمادى في غيِّه، فتساءل بعد أن جرَّد العرب من كل علماء وأئمة وفقهاء الإسلام الأوائل والمفسِّرين ورواة الحديث بمعلوماته المغلوطة، سارداً أسماءهم واحداً واحداً، التي - ويا للعجب - كانت كلها عربية، لكنه - ولله الحمد - تراجع بعد ذلك، فصلَّح ما كُتب، بعد أن لجأ إلى مصدر ألماني أو من الـ «GPT»، فبشَّرنا بأن العلماء الذين ذكرهم هم عرب.
نقول: المعلوم أن كل العلماء والفقهاء الذين لمعوا في فترة النهضة، فترة الدولة العربية المستنيرة، كانوا إما عرباً أو تعلموا ونهلوا وعاشوا في كنفها، وكتبوا بلسانها العربي، وهذا فخر للعرب، وليس سبة، بعض هؤلاء العلماء من نسل الفاتحين العرب الذين استقروا في تلك البلاد، وهذا أمر معروف تاريخياً وعرقياً.
ونحن هنا نريد أن نعرف، لماذا ألصق إرهاب تنظيم خراسان بالعرب؟ ولماذا هذه المحاولات البائسة حقيقة لتجريد أمة العرب من علمائها ومفكريها وتاريخها الحضاري والديني، وحتى القومي، الذي غيَّر وجه العالم بحق، وباعتراف كل الأمم، بما فيها إيران؟ ولماذا قلم مدَّعي العلمانية، أو مَنْ يخط له، يقطر كُرهاً لأمتنا العربية التي يعيش في كنفها ويتشرَّف بحمل جنسيتها؟
نقول لكل مَنْ يريد أن يكتسب المصداقية بحجة العلمانية، عليه أن ينتقد أهل داره لا دار غيره، ومَنْ أراد أن يحقر طائفة غيره، فليبدأ بطائفته، ومَنْ أراد أن يحط من أمتنا التي يتشرَّف بحمل جنسيتها، فليبحث له عن أمة يهفو قلبه إليها.