هل تندلع الحرب بسبب تايوان؟
هل من المحتمل أن تخوض الولايات المتحدة والصين حربا بسبب تايوان؟ تنظر الصين إلى الجزيرة الواقعة على بُعد تسعين ميلا (145 كيلومترا) قبالة سواحلها باعتبارها مقاطعة مارقة، وقد أثار الرئيس شي جين بينغ القضية في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني العشرين الذي انعقد مؤخرا، وبرغم أن شي قال إنه يفضل إعادة التوحيد بالطرق السلمية، فإن هدفه كان واضحا، فهو لم يستبعد استخدام القوة، فمن ناحية أخرى، في تايوان، تستمر نسبة السكان الذين يُعَرٍّفون أنفسهم على أنهم تايوانيون فقط في تجاوز نسبة أولئك الذين يعرفون أنفسهم على أنهم صينيون وتايوانيون.
حاولت الولايات المتحدة لفترة طويلة إثناء تايوان عن إعلان الاستقلال رسميا، وردع الصين عن استخدام القوة ضد الجزيرة، لكن القدرات العسكرية الصينية كانت في تزايد، والآن قال الرئيس الأميركي جو بايدن في أربع مناسبات منفصلة أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان، وفي كل مرة، كان البيت الأبيض يصدر «توضيحات» تؤكد أن سياسة «الصين الواحدة» التي تنتهجها أميركا لم تتغير.
لكن الصين ترد على هذا بأن الزيارات الأميركية الرفيعة المستوى إلى تايوان تعمل على إفراغ هذه السياسة من مضمونها، وردت الصين على الرحلة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس بإطلاق صواريخ بالقرب من ساحل تايوان، فماذا قد يحدث إذا أصبح النائب كيفين مكارثي رئيسا لمجلس النواب الجديد الذي يسيطر عليه الجمهوريون ونفذ تهديده بقيادة وفد رسمي إلى الجزيرة؟
عندما ذهب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين والتقى ماو تسي تونغ عام 1972، كان كلا البلدين يشتركان في مصلحة واحدة تتمثل في موازنة القوة السوفياتية، لأن كلا منهما رأي في الاتحاد السوفياتي أكبر مشكلة تواجهه، ولكن الآن اختارت الصين انحيازا ملائما مع روسيا، لأن كلا البلدين يعتبران الولايات المتحدة أكبر مشاكلهما.
مع ذلك، لم يتمكن نيكسون وماو من الاتفاق على قضية تايوان، ولهذا تبنى الزعيمان صيغة مصممة لتأجيل البت في هذه المسألة، وبموجبها تقبل الولايات المتحدة الزعم بأن السكن على جانبي مضيق تايوان صينيون، ولا تعترف إلا بما يسمى «الصين الواحدة»: جمهورية الصين الشعبية على البر الرئيسي، وليس جمهورية الصين في تايوان، وقد كسب كل من الجانبين الوقت لما أسماه خليفة ماو، دنغ شياو بينغ، «حكمة الأجيال القادمة»، يذكرنا هذا بحكاية سجين من القرون الوسطى يؤخر إعدامه بوعده بتعليم حصان الملك كيف يتكلم، فيقول ذلك السجين: «من يدري؟ قد يموت الملك، وقد يموت الحصان أو قد يتكلم الحصان».العلاقات الأميركية مع الصين أصبحت الآن عند أدنى مستوياتها منذ أكثر من 50 عاماً
على مدار خمسة عقود من الزمن، استفادت كل من الصين والولايات المتحدة من الوقت الذي اشترته، فبعد زيارة نيكسون، كانت الاستراتيجية الأميركية تتلخص في إشراك الصين على أمل أن يعمل النمو التجاري والاقتصادي المتزايد على توسيع الطبقة المتوسطة مما يؤدي بالتالي إلى مزيد من التحرر، وقد يبدو هذا الهدف الآن مفرطا في التفاؤل، لكن السياسة الأميركية لم تكن ساذجة بالكامل، فعلى سبيل التأمين المضاد، أعاد الرئيس بِل كلينتون التأكيد على المعاهدة الأمنية الأميركية مع اليابان في عام 1996، وعمل خليفته جورج دبليو بوش على تحسين العلاقات مع الهند، علاوة على ذلك، شهدنا بعض علامات التحرر في الصين في بداية القرن الحالي، لكن شي جين بينغ عمل على تشديد قبضة الحزب الشيوعي الصيني على المجتمع المدني ومناطق مثل شينغيانغ وهونغ كونغ، فضلا عن الإشارة إلى طموحه في استعادة تايوان.
الواقع أن العلاقات الأميركية مع الصين أصبحت الآن عند أدنى مستوياتها منذ أكثر من خمسين عاما، يلوم بعض المراقبين الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن من الناحية التاريخية، كان ترامب أشبه بصبي يسكب البنزين على نار مستعرة بالفعل، فكان قادة الصين هم الذين أشعلوا النار بتلاعبهم بنظام التجارة الدولي، وسرقة الملكية الفكرية الغربية ونقلها قسرا، وعسكرة الجزر الاصطناعية التي اختلقوها في بحر الصين الجنوبي، وكانت ردة فعل الولايات المتحدة على هذه التحركات ثنائية الحزبية، ولم يلتق بايدن وجها لوجه مع شي جين بينغ حتى نهاية سنته الثانية في المنصب في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في بالي.
لا يزال الهدف الأميركي يتلخص في ردع الصين عن استخدام القوة ضد الجزيرة، وردع قادة تايوان عن إعلان الاستقلال بحكم القانون، ويشير بعض المحللين إلى هذه السياسة على أنها «غموض استراتيجي»، ولكن يمكن وصفها أيضا بأنها «ردع مزدوج». في الأشهر التي سبقت اغتياله، كان رئيس الوزراء الياباني السابق آبي شينزو حريصا على حث الولايات المتحدة على الالتزام بشكل أكثر وضوحا بالدفاع عن تايوان. لكن خبراء آخرون يخشون أن يكون في تغيير السياسة على هذا النحو سببا لاستفزاز استجابة صينية، لأنه سيزيل الغموض الذي يسمح لقادة الصين باسترضاء وتهدئة المشاعر القومية.
إلى أي مدى قد يكون نشوب الصراع محتملا؟ يحذر رئيس العمليات البحرية الأميركية من أن القوة البحرية المتنامية التي تمتلكها الصين قد تغريها بالتحرك قريبا انطلاقا من اعتقاد مفاده أن الوقت ليس في مصلحتها، في حين يعتقد آخرون أن فشل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا جعل الصين أكثر حذرا، وأنها لهذا ستنتظر إلى ما بعد عام 2030. حتى لو تجنبت الصين غزوا كامل النطاق واكتفت بمحاولة إجبار تايوان على الخضوع بضرب الحصار عليها أو الاستيلاء على جزيرة بحرية، فقد يؤدي اصطدام سفينة أو طائرة إلى تغيير الأمور بسرعة، خصوصا في حالة وقوع خسائر في الأرواح، وإذا ردت الولايات المتحدة بتجميد الأصول الصينية أو استحضار قانون «التجارة مع العدو»، فقد ينزلق البلدان إلى حرب باردة حقيقية (وليست مجازية)، أو حتى حرب ساخنة.الهدف الأميركي لا يزال يتلخص في ردع الصين عن استخدام القوة ضد تايوان وردع قادة الجزيرة عن إعلان الاستقلال بحكم القانون
في غياب قضية تايوان، تتناسب العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مع نموذج يسميه رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود «منافسة استراتيجية موجهة»، فلا يشكل أي من البلدين تهديدا للآخر كما فعلت ألمانيا في عهد هتلر في ثلاثينيات القرن العشرين أو الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين في خمسينيات القرن العشرين، ولا يعتزم أي منهما قهر الآخر، ولا يستطيع ذلك، لكن الفشل في إدارة قضية تايوان قد يحول النزاع إلى صراع وجودي.
ينبغي للولايات المتحدة أن تستمر في تثبيط استقلال تايوان رسميا، في حين تساعد تايوان لتصبح أقوى من أن يتسنى التهامها بسهولة، وينبغي لها أيضا أن تعمل مع الحلفاء من أجل تعزيز الردع البحري في المنطقة، ولكن يتعين عليها أن تتجنب التصرفات والزيارات الاستفزازية التي قد تدفع الصين إلى التعجيل بتنفيذ أي خطط للغزو، كما أدرك نيكسون وماو قبل فترة طويلة، لا يخلو الأمر من كثير من الترتيبات الاستراتيجية والدبلوماسية التي يمكن من خلالها كسب الوقت.
* جوزيف س. ناي الابن أستاذ في جامعة هارفارد، ومساعد وزير الدفاع في الولايات المتحدة سابقا، وأحدث مؤلفاته كتاب «هل تشكل الأخلاق أي أهمية؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين ديلانو روزفلت إلى ترمب».