محمد العدساني وتركة التثمين
يتساءل كثيرون عن أسباب ارتفاع أسعار الأراضي في البلاد. ويعود ذلك ضمن عناصر أخرى، إلى واحد من أخطر القرارات في تاريخ الكويت المعاصر، وهو تأميم الأراضي منذ عام 1954، ليصبح نحو 97 في المئة «أملاك دولة»، و3 في المئة فقط للملكية الخاصة.
كانت تلك الحقبة هي الأهم في إعادة إنتاج الاقتصاد السياسي الكويتي، على أساس مركزية دور الحكومة والأسرة الحاكمة، مع تراجع دور الفئة التجارية التقليدي.
وكان للتثمين دور أساس في صدور القرار، حيث طالب البعض بملكية حوالي ثلاثة أرباع الكويت، عن طريق سندات هبة، ولم يكن أمام الشيخ، حينها، إلا تأميم الأراضي لمنع موجة الاستيلاءات تلك. بالطبع هناك متغيّرات حدثت منذ ذلك الحين، إلا أن المبدأ لا يزال قائماً. ولذلك تلجأ الدولة إلى استحداث مشاريع بمسميات مختلفة لتوزيع الأراضي، كان آخرها مشروع باسم جذاب، هو «الأمن الغذائي»، وما آل إليه من فضائح، وغيره من المشاريع، التي تحولت إلى مشاريع ترضيات سياسية بدلاً من إنتاجية.
ومع زيادة دخل النفط من 4 ملايين جنيه إسترليني إلى 60 مليوناً، بدأت خطة التنمية سنة 1952، وربما كانت الخطة الوحيدة التي تم تنفيذها، فتم استحداث التثمين، لتشجيع الناس على الخروج إلى المناطق الجديدة. فكان أن تقدمت بعض الشخصيات النافذة بمطالب بتثبيت ملكيتها لأراضٍ بمساحات شاسعة، ولم تكن لها قيمة تُذكر قبل التثمين، مستندين إلى سندات هبة، بعبارات مثل أن الأرض المعنيّة «يحدها الفضاء شمالاً»، فاحتجّت على ذلك فئات اجتماعية، واقتصادية، وحتى أفراد من الأسرة.
في بداية الأمر، صدر القرار عن اللجنة التنفيذية العليا بأن كل ما هو خارج خط التنظيم العام، يصبح أراضيَ أميرية، أي أملاك دولة، وتم التعارف عليه ب «حد الملكية الخاصة». ولم يلتزم المعنيون بالقرار، فما كان من الشيخ عبدالله السالم إلّا أن أصدر مرسوماً مذيّلاً باسمه، بذات المعنى في الجريدة الرسمية سنة 1956، وصار بذلك التاريخ المعتمد.
ومن الواضح أن تأميم الأراضي وسياسة التثمين، مترابطان بشكل لا يمكن فكّه. وقد جرت حولهما معارك اجتماعية وسياسية، على مرّ السنين، على حجية سندات الهبة، إلى أن تم حسمها في مجلس 1971، بجهود حثيثة من النائب السابق أحمد النفيسي.
وعندما تولى محمد العدساني رئاسة المجلس البلدي، كان عليه أن يتعامل مع تركة ثقيلة، كان أهمها موضوع استمرار سياسة التثمين دون أي رؤية من أي نوع، وكان عليه أن يواجه مراكز قوى نافذة، فكيف تعامل معها، وهل نجح في ذلك أم لا؟... للحديث بقية.