المستشار والسيجار في أجهزتنا الحكومية
للمستشار المحترف والصادق الأمين دور كبير في إعطاء المشورة والنصيحة البناءة للجهة التي يعمل فيها أو في حل المشكلة أو المعضلة التي تم الاستعانة به لإعطاء رأيه ورؤيته بناءً على علمه وخبراته بشأنها، لذا نجد أن العديد من الدول والشركات الكبرى والوزارات والهيئات الحكومية وغير الحكومية، تدفع مبالغ طائلة للمستشارين والشركات الاستشارية المتخصصة من أجل الحصول على الاستشارة والرأي المتخصص، سواء في البحث عن الحلول للمشاكل التي تعوقها عن أداء مهامها أو تلك التي تعوق تحقيق أهدافها التشغيلية أو أهدافها الاستراتيجية وبعض الإدارات الناجحة والمديرين الاستراتيجيين يطلبون من هؤلاء المستشارين المحترفين مساعدتهم ومساعدة دولهم ومنظماتهم في وضع بعض السيناريوهات المستقبلية بهدف الاستعداد للمستقبل والتميز في المهام والخدمات التي تقدمها هذه الجهات.
وقد كان لبعض المستشارين دور كبير وفعال بالنهوض وتقدم بعض الدول والشركات بسبب الصدق والأمانة والإخلاص في إبداء النصيحة والمشورة الفنية أو الإدارية المتخصصة المبنية على العلم والخبرة العلمية والمعرفة الدقيقة للثقافة التنظيمية للشركة والإلمام بقيم وعادات وتقاليد وثقافة المؤسسة أو الدولة طالبة الاستشارة.
وفي الجانب الآخر نجد بعض المؤسسات أو الدول التي تستعين ببعض المستشارين الذين لا يعرفون قيم وثقافة الشركة ولا يلمون بنظم وقوانين الدولة وغير مطلعين على عادات وتقاليد وثقافة المجتمع!! كأحد المستشارين الذي طُلبت منه النصيحة والمشورة في معالجة مشكلة الازدحام أثناء موسم الحج في مكة المكرمة، فنصح بأن يكون هناك موسمان منفصلان للحج أحدهما في فصل الصيف والآخر في فصل الشتاء!!
وقد ابتلينا نحن، مواطني ودول مجلس التعاون الخليجي، ببعض المستشارين الذين يتظاهرون بالعلم والمعرفة والخبرة في العديد من المجالات والتخصصات التي نحن في أشد الحاجة للنصيحة والمشورة فيها، سواء على مستوى دولنا أو مؤسساتنا في القطاعين العام والخاص. وقد استطاع بعض أدعياء مهنة الاستشارات أن يغطوا نقص خبراتهم العملية ومعرفتهم العلمية لهذه القضايا والمشاكل المطلوب دراستها وإبداء الرأي والمشورة حولها من خلال المظهر والشكل الخارجي المتميز للمستشار.
ومن الوسائل والمظاهر الخارجية التي يستخدمها بعض المستشارين استخدام السيجار كمظهر يدل على الوجاهة والبرستيج! وكذلك حمل الحقيبة الجلدية البريطانية الصنع أو أحدث جهاز للكمبيوتر أو آخر موديل للهاتف النقال! أضف إلى ذلك البدلة ذات الثلاث قطع وربطة العنق من أشهر الماركات العالمية، كل ذلك لمتطلبات الشكل الخارجي للمستشار الراغب في تسهيل أموره وللعمل في دولنا العربية والنفطية.
أما بعضهم الآخر فإنه يميل لاستخدام بعض اللغات الأجنبية خصوصاً اللغة الإنكليزية أو الفرنسية حسب نوعية الاستشارة المطلوبة حتى يوهم ويخدع مستمعيه ومن حوله بأنه ضليع في هذه اللغة حتى لو كانت الاستشارة المطلوبة باللغة العربية، فهل ننجرف ونبحث عن المستشار «صاحب السيجار» أم نبحث عن المستشار صاحب العلم والمعرفة والخبرة الذي ربما لا يدخن السيجار والذي ربما يحرم ولا يقر استعمال وتدخين السيجار في أروقة أجهزتنا ومؤسساتنا؟!!
إن ذلك يتوقف على مدى معرفتنا ببواطن الأمور وحقيقتها لا بمظهرها وشكلها الخارجي الخادع والخداع في الوقت نفسه!!
وقد قال الشاعر:
ترى الرجل النحيفَ فتَزْدَرِيه
وفي أثوابه أسَد هَصُورُ
وَيُعْجِبُك الطَّرِيرُ إذا تراهُ
فيُخْلِفَ ظنك الرجلُ الطريرُ
ومع الأسف الشديد وجدت هذه النوعيات من أشباه المستشارين في المنطقة العربية وخاصة في الدول النفطية والخليجية بيئة خصبة لممارسة دجلها وضحكها على الذقون في ظل وجود بعض القيادات الإدارية التي تم تعيينها بأسلوب «البراشوت»!! كما أن بعض هذه النوعية قد وجدت من بعض المسؤولين في هذه الجهات من يشابههم في سلوكهم وتصرفاتهم وكما يقال «وافق شن طبقة»!!
ويجب أن أؤكد هنا أن هذا الوصف «أشباه المستشارين وأدعياء المهنة» لا ينطبق على جميع المستشارين، فهناك الكثير من المستشارين العرب والأجانب الذين نكنّ لهم كل التقدير والاحترام، وهم على درجة عالية من التأهيل العلمي والخبرات العملية والحرفية والمهنية العالية ويتميزون بالصدق والأمانة والشفافية في طرح الحلول للمشاكل والقضايا المطلوب الرأي والمشورة فيها.
أتمنى أن يساهم هذا المقال في الكشف عن أشباه المستشارين وأدعياء مهنة الاستشارات في دولنا الخليجية ومؤسساتنا في القطاعين العام والخاص! كما أتمنى أن يمتد أثر هذا المقال للمساهمة ولو بطريقة غير مباشرة في تطبيق قانون منع التدخين خصوصاً «تدخين السيجار» في المرافق الحكومية.
ودمتم سالمين.