الاتزان والميزان في تصريحات «ميليباند» عن الطاقة
* مقدمة قصيرة:
لطالما كانت العلاقة بين القطاعين الحكومي العام والخاص في بلداننا الشرق أوسطية غير متزنة، بل قد يطلق عليها بوصف دقيق «هشة»، كما أن المفاهيم والنظرة المتأصلة في القطاع الخاص أيضا كانت وما زالت مضطربة ورمادية إلى حد كبير، ومن المؤسف حقيقة أن مفاهيم الخصخصة رمادية وضبابية أيضاً، وتعتمد في الفهم بشكل كبير على أن نعطي أصحاب الرخص للأعمال الحرة والوكالات ورؤوس الأموال كل ما يمكن أن يخفف من أي صداع حكومي دون الاكتراث بالخدمات العامة وأهمية وجودها تحت راية الدولة ومن الشعب إلى الشعب كما يقولون، وبالطبع فإن نمط التفكير هذا ليس بالصحيح ولا بالصحي أيضا ولأسباب عدة نعرج عليها ها هنا.
* نظرة الغرب المجتمعية للقطاع الخاص:
القطاع الخاص شيء مهم وأساسي في كل المجتمعات وعلى كل الاقتصادات في الدول المحترمة، ويجب الوقوف على دعم الاقتصاد والتاجر بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولكن يجب تعريف التاجر وأصحاب الأعمال في القطاع الخاص ووضع إطار واضح ومحدد لكل منهم، لكيلا تصبح المسألة باللهجة الاقتصادية– السياسية الدارجة (لصلصة لا خصخصة). ولمعرفة الفروقات بين عالمنا والعالم الأول، وكيف يتم قياس الفارق وتعريف التاجر والقطاع الخاص، نجد أن أصحاب الأعمال الحرة التي تدشن الصناعات الحيوية وتتبنى توظيف العمالة الوطنية وتضخ الملايين كأموال ضرائب في نهضة الناتج القومي، هم أصحاب الأعمال في القطاع الخاص والتجار في الغرب، وفي الحقيقة فإن تجار الوكالات هم في أدنى سلم ومراتب الاهتمام لدى الغرب كونهم لم يطوروا أعمال شركاتهم، ولا يصنعون شيئا، بل يفيدون اقتصاد دول أخرى بشكل مباشر علني لا أكثر.
* رمانة الميزان والدروس المستفادة من التجربة البريطانية:
بعد التمحيص نجد أنه منذ منتصف السبعينيات والنهج الاشتراكي (العمالي الليبرالي لا الماركسي) بدأ بالاضمحلال شيئا فشيئاً لدى العامة وفي إنكلترا تحديدا، مبتعدين عن الهيئات والشركات الحكومية داخلين بشكل موسع أكثر وأكثر في خصخصة كل شيء حتى الخدمات العامة التي تدير مرافق حيوية كالقطارات والمواصلات العامة والموارد الطبيعية (المياه العذبة)، ولكن يبدو أن أزمة ركود 2008 ومن بعدها جائحة كورونا 2019-2020 وتبعاتها وضعت الأمور في نصابها الصحيح بأعين الكثيرين، وأولهم الاقتصاديون والساسة حفاظا على الأمن والسلم الاجتماعي بالمقام الأول، فبدأت موجة «التأميم» من جديد والتي بدأت تعصف إلى حد ما بالاقتصاد البريطاني وصولا إلى الأسبوع ما قبل الماضي.
وهنا نقف ولنا في المسألة تعليق واضح على أثر تصريحات وزير الأمن الطاقي والحياد الكربوني إدوارد (إيد) ميليباند الذي جاهر بشكل علني وبغض النظر عن توجهاته الحزبية بأن شركة الطاقة لبريطانيا العظمى ستكون باكورة العمل وأول أعمالنا الوزارية الآن، والتي ستكون شركة حكومية مساهمة من الشعب إلى الشعب لإدارة موارد ومصادر الطاقة بالأخص المتجدد منها شاملة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج وخلافه.
ومن هنا نفهم أن التوجه العام ووعي الشارع أصبح مدركا بأن للخصخصة حدوداً وضوابط يجب ألا يتم تجاوزها، خصوصاً في إدارة الثروات الطبيعية والموارد وأي شيء يتعلق بحياة ومعيشة الناس.
باختصار شديد، عليك أن تنشئ شركتك وخط إنتاج لتسهم في دعم اقتصاد وطنك، ومن ثم يمكنك أن تطلق على نفسك لقب كابتن للصناعة Captain of Industry وتطالب الدولة أن تدعمك، وغير هذا فإن العمل الحر مكسب وخسارة، وعليك أنت لوحدك أن تتحمل تبعات قراراتك.
ختاماً يجب الوقوف على عدة نقاط حيوية يمكن النظر لها الآن كـ«روشتة» لعلاج اقتصادات الدول بالأخص النامية، ويجب رفع كفاءة القطاع الخاص وتحديداً الصناعي منها، والمتعلق بأمور الطاقة والبيئة، فلا أحد يحمل لباً سليماً يقف ضد القطاع الخاص البتة، ولكن يجب أن يتحمل مسؤولياته الاقتصادية والاجتماعية في ضخ أموال على خزينة الدولة واستيعاب أبناء الوطن في سوق العمل، وأن يكون مساهماً في الناتج القومي بشكل مباشر برفعة اقتصاد البلد.
كما يجب أن تكون الثروات الطبيعية ملكية عامة، وأن نبتعد عن التفكير في خصخصتها، وأن يكون القطاع الخاص موجوداً لإدارة وتحسين (إن استلزم) بعض الخدمات المصاحبة فقط، ولنا في التجربة البريطانية خير مثال على هذا كله خاصة في النهج القادم لديهم، ومن التجارب والدروس المستفادة منهم، ويتم هذا القياس مع الفارق مع من يريد أن يخصخص الخدمات العامة في بعض دولنا النامية، مع إعطاء صبغة الوطنية على أعمالهم وكأنهم (نبيّ مخلص) لا طفيليون ومستفيدون من ثروات الشعوب.