لن تنهض دولة ولا أمة إن كانت أجيالها تميل إلى الدعة والراحة والترف، وتركن إلى الاتكالية وتجنّب المسؤوليات، وتهيم في فلك الأرض كما تهيم البهائم، وتعتبر الحياة مكاناً للمتعة الكاملة.

وتغدو الحاجة اليوم ملحّة لاستنهاض القوى الكامنة في الأمتين الإسلامية والعربية، وفي قدراتها البشرية، وعمل مثل هذا يحتاج إلى ثلاثة أمور لابد من تحققها جميعها.

Ad

الأول: بناء فكري ونفسي وتعليمي وثقافي يكون ركيزة مرجعية لذلك البناء الفكري، وهو عمل لابد أن تنهض به مؤسسات ومجاميع حتى يصبح مساراً مجتمعياً يفرض نفسه في المناهج والبرامج الإعلامية والتثقيفية والعلمية، ويتحقق ذلك بإقامة منتديات وملتقيات حوارية لتحقيق ذلك.

الثاني: إعداد طلائع تحمل مشعل هذا التوجه، تأخذ قياداته الآنية والمستقبلية على عاتقها النهوض بهذا الدور بمواقع متعددة، مثل المؤسسات التعليمية، والثقافية، والاجتماعية، والدينية، والترفيهية، والرياضية، بل حتى المؤسسات المجتمعية والتطوعية والتجارية.

وينبغي أن يواكب ذلك إعداد أجيال تتسلم المسؤولية للجيل الجديد بين سن 5 و10 سنوات على الأقل، حتى يتحول الأمر نمطاً سلوكياً وفكرياً اعتيادياً، ثم يكون هذا الجيل هو نماذج بناء الشخصية التي تحتذى، وتستمر العجلة بعد ذلك هكذا دواليك.

الثالث: بناء النماذج الواعية والمسؤولة من الأجيال، بإعادة التوازن لرسالتها الحياتية والأممية، وإحياء قيم ومُثل وسنن وعادات وتقاليد راسخة نبيلة بشموخ الهوية والانتماء لعالم إسلامي وعربي حضاري راقٍ ومتقدم ومتطلع لاستعادة دوره الريادي المفقود.

وهذه الأدوار والمراحل ينبغي أن يتم تبنيها على المستويين الرسمي (بمؤسسات التعليم والمؤسسات الثقافية والاجتماعية، ومؤسسات الرعاية الشبابية والأسرية والطفولة، والمؤسسات الترفيهية والرياضية، والإعلامية)، والشعبي من خلال التعليم العام والجامعي، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجاميع الثقافية والاجتماعية والسياسية، وعلى مستوى الأسرة، وأي هبة مجتمعية لاستعادة الهوية وصياغة شخصيات أساس المستقبل.

فإن تحققت تلك العوامل، كان لابد أن يحدث الاندماج والتكامل مع المؤسسات الرسمية ومنصاتها وفعالياتها المختلفة، ليقترن كل ذلك بالسلطات الرسمية ليكون قريناً وصنواً لها، وممهداً لنهضة وطنية على مستوى كل دولة عربية وإسلامية، ليكون مقدمة لوحدة عربية إسلامية عملية، تحفظ الكيانات الإقليمية، وتقوّي من تكوين الدولة الواحدة، وتضعها على المسار ذاته، وتقوي أجيالها وتعزز مؤسساتها، وتسخّر إمكاناتها لتتحرر من الكثير من القيود والتبعات، وتتجه لمرجعيات أصيلة وذاتية لا شكلية ومستوردة، وكل ذلك سيصب ويعزز المركزية الوحدوية للأمة العربية والإسلامية في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، ولا تستمر فيه إلا الكيانات الكبرى الموحدة.

ولابد أن يبنى نموذج ليكون هو المرجعية الواقعية، التي يمكن الاحتذاء بها والقياس عليها.