في لندن وأمام الفندق الذي نزلت فيه، سارت تظاهرة عارمة صباح يوم السبت الماضي، مطالبة بتحرير فلسطين ووقف تصدير الأسلحة البريطانية للصهاينة، ووقف الإبادة الجماعية، وكانت تظاهرة مؤثرة استمر مرورها أمام الفندق مدة طويلة، وكان أغلبها من النساء والرجال الإنكليز يحمل بعضهم لافتات أحزاب ومنظمات أهلية، ويهتفون بكل قوة وكأنهم هم الذين فقدوا أرضهم وحياة أبنائهم، فحمدت الله على هذا التعاطف مع قضيتنا الأولى.
لكن بعدها بيوم واحد، نقلت الأخبار المحلية نبأ محاصرة عدد من السكان لمسجد في إحدى الضواحي، وتم قذف رجال الشرطة بالحجارة وإضرام النار بسياراتهم، وتم اعتقال حوالي 400 شخص، وتبيّن بعد ذلك أن سبب هذا العنف إشاعة أن الذي طعن ثلاث فتيات هو شاب مسلم، وبعد أيام قليلة تبيّن أنه مراهق إفريقي مسيحي، لكن موجات العنف العنصري ضد المهاجرين انتشرت في البلاد، وصرح رئيس الوزراء الجديد بأنه سيتخذ إجراءات مشددة نحو هذا العنف، ولا أستبعد أن أيادي صهيونية وإنجيلية عنصرية وراء هذه الفتنة، فسبحان الله ما إن تخطو قضيتنا خطوة جيدة، حتى يتصدى لها الصهاينة، فتنطلي أكاذيبهم على القطيع.
لذلك، فإن بيان جمعيات النفع العام الكويتية احتوى اقتراحات مهمة ومفيدة، لعلها تحرّك الحكومات العربية بإعلامها ودبلوماسييها لعمل ملموس إزاء المذابح الصهيونية، لكنهم لا شك سيصدمون بمواقف الدول العربية التي طبّعت مع الصهاينة.
بعد اغتيال هنية، يرحمه الله، نشطت تحليلات كثيرة تناقش رد الفعل الإيراني، بعضها يؤكد أن إيران ستنتقم بردّ قوي، بينما رأت أخرى أن أميركا وإيران في تفاهم غير مرئي، فأميركا سلمت العراق لإيران ومنعت انهيار الحوثي وسمحت للقوات الإيرانية بقلب الموازين في سورية، وأن تفاهماً يتم الآن مع أميركا يقضي بردّ صوري (ما يعور)، مثل الردود السابقة لحفظ ماء الوجه.
ورأي ثالث ينفي التفاهم، لكنه يؤكد أن إيران لا تريد رداً قوياً يؤدي إلى الدخول في حرب شاملة قد تكلفها مفاعلها وقنبلتها الموعودة والقضاء على خلاياها الموجودة في أكثر من دولة عربية.
وإذا كان الرأي الثاني أو الثالث هو الموقف الحقيقي لإيران، فلماذا دأبت على الزعم بأنها قائد الممانعة، ولماذا تطلق شعارات الفناء لإسرائيل والموت لأميركا، ولماذا جهزت «حماس» وغيرها بأسلحة غير متكافئة دفعتها للحرب التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، هل هي مجرد تورية تصرف النظر عن توسّعها ونفوذها في المنطقة العربية؟!
كذبة القرن: كذب المطبعون العرب عندما قالوا للشعب العربي إنهم وافقوا على التطبيع مقابل أن يوقف الصهاينة بناء المستوطنات في الأرض المحتلة، فها هي المستوطنات تبنى بكثافة وعلى جثث عشرات القتلى المسلمين، بينما هم على تطبيعهم وخذلانهم جاثمون.