رغم تصدر تسريبات عن ردٍّ إيراني وشيك على اغتيال إسرائيل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، الأخبار العالمية، كشف مصدر بالمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ «الجريدة» أن اجتماعاً عُقد بعد بضع ساعات من عملية الاغتيال في مكتب المرشد علي خامنئي، بحضوره شخصياً، في مشهد استثنائي نادر، تمخّض عن اتخاذ قرار بالثأر «بشكل يمثل درساً لإسرائيل»، لكنه واجه جملة من التعقيدات العملية، والخلافات العميقة بين التيارين الأصولي المتشدد والمعتدل.
وفي حين يدفع التيار الحكومي باتجاه مقايضة الثأر لصاعقة هنية، التي فاجأت طهران وخلطت أوراقها، بـ«مكسب عقلاني براغماتي» يُفضي إلى تفاهمات اقتصادية ونووية مع الولايات المتحدة، بزعامة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان ونائبه محمد ظريف، يصرّ تيار متشدد يتصدره «الحرس الثوري» على توجيه ضربة قاصمة بأي ثمن، ودون الأخذ بعين الاعتبار أي تبعات، «حفاظاً على مصداقية إيران»، التي ستخسرها إذا لم تتحرك بشكل يُرضي حلفاءها الإقليميين.
وبحسب مصدر شارك في الاجتماع، فإن المرشد أكد ضرورة إطلاعه على مقترحات عسكرية تتضمن «تكسير أنياب إسرائيل»، ووجه الجهاز الدبلوماسي إلى استغلال الحيز الزمني لتهيئة الأرضية الدولية للخطوة.وأوضح أن المرشد فهم من الضربة أنها رسالة تحطم كل المعادلات السياسية العالمية، وإذا ما ترددت طهران في الرد فإن الدولة العبرية ستتمادى في عمليات الاغتيال داخل بلاده مثلما يحصل في سورية.
وذكر أن خامنئي شدد على أنه يعتقد أن حرب غزة والاستفزازات الإسرائيلية لن تتوقف، لأن واشنطن باتت تحت سلطة حكومة عاجزة لا تتجرأ على اتخاذ أي خطوة تجاه حليفتها، ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يعلم ذلك جيداً ويستغله، وعليه فإن الحل الوحيد هو التصعيد إلى أعلى مستوى ممكن، وإذا اندلعت حرب شاملة فإنه يجب التخلي عن قواعد الاشتباك السابقة، مثل عدم استهداف المدنيين، أو النقاط الاقتصادية الحيوية، مثلما حدث في ضربات بيروت والحديدة وطهران.
وتابع أنه رغم تخوف بعض المجتمعين من أن استهداف المدنيين أو البنى التحتية سيعطي ذريعة لإسرائيل والولايات المتحدة لاستهداف بنى تحتية وأماكن مدنية في إيران، أكد المرشد أن بلاده يمكنها تحمل مثل هذه الضربات مهما كانت موجعة، لكن الطرف الآخر يجب أن نرى إن كان يستطيع تحمل مثل تلك الضربات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القوات والقواعد الأميركية بالمنطقة ستصبح في مرمى الانتقام.ولفت إلى أن اجتماعات المجلس الإيراني لم تتوقف منذ ذلك الحين، وفي بعض الأحيان بمشاركة ممثلين عن فصائل المقاومة لتنسيق الرد، إذ إن الرئيس الجديد ونائبه وفريقهما مصرون على ضرورة الرد بالمثل، كما أن إجراء عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات مهما كان حجمها لن يؤثر على إسرائيل وسياساتها، في حين أن «الحرس الثوري» يصر على ضرورة شن عملية ضخمة شاملة تضمن هجوماً مباشراً من إيران ومحورها، بينما يرى قادة الجيش والأجهزة الأمنية أنه يجب تأجيل أي عملية لحين استعادة عنصر المفاجأة، لأن أي هجوم في ظل الاستنفار الدفاعي الإسرائيلي ــ الأميركي سيكون محكوماً بالفشل.
وكشف أن خامنئي يدعم القيام برد مركب يشمل عملية عسكرية، إلى جانب تصفية شخصيات إسرائيلية أو داعمة للاحتلال.
وبين أن المرشد تلقى عدة سيناريوهات مبدئية للثأر جاءت على النحو التالي:
أولاً: قيام إيران بهجوم مباشر بآلاف الصواريخ والمسيّرات، دون أي إنذار لأي جهة دولية، كي لا تكون جاهزة لصد الضربة على غرار ما حدث منتصف أبريل الماضي.
ثانياً: أن تشن فصائل المقاومة هجوماً شاملاً بالتنسيق بين جميع الجبهات بمختلف الاتجاهات على إسرائيل والقواعد الأميركية.
ثالثاً: أن تقوم طهران ومحور المقاومة بالرد على الاحتلال بالمثل عبر القيام بعمليات اغتيال بالعمق الإسرائيلي، أو في شتى أنحاء العالم دون الحاجة للقيام بهجوم صاروخي. وأخيراً، تم اقتراح مهاجمة إسرائيل عبر عمليات إلكترونية وحرب سيبرانية.
وتحدث المصدر عن خطة للحرس تشتمل على شن ضربة وهمية عبر حلفاء طهران، بمسيّرات وصواريخ رخيصة، تمثل غطاءً لهجوم كبير وكاسح يدمر شبكات الدفاع الجوي، ويستهدف المصالح الحيوية والاقتصادية ويستمر 5 أيام على الأقل، ويتخلله قيام عملاء لإيران وجبهتها بتصفية شخصيات سياسية وأمنية وبعض العلماء في العمق الإسرائيلي.وذكر أن الخطة تتضمن أيضاً استهداف القوات الإسرائيلية المحاصِرة لغزة، والمرافق العسكرية والمطارات الداعمة لها بضربة صاروخية مكثفة، يعقبها انطلاق عناصر الفصائل الفلسطينية من داخل القطاع للانقضاض على جنود الاحتلال، لافتاً إلى أن «حزب الله» والحوثيين تلقوا أسلحة نوعية للمشاركة في الهجوم المزمع منذ يومين.
وأرجع تأخير الرد أيضاً إلى أن طهران تحوطت عقب تقارير تفيد بأن نتنياهو سيسعى إلى توسيع دائرة الحرب، عبر إرسالها 50 ألف عنصر من ميليشيات «زينبيون وفاطميون» إلى دمشق، لتعزيز نحو 150 ألف عنصر تم نشرهم بالفعل في سورية والعراق للانخراط في أي حرب كبرى محتملة.
وذكر أن طهران تلقت 4 أنظمة رادار متطورة من موسكو، بهدف كشف مقاتلات الـF35 والـF22 الأميركية، في حين ينتظر الإيرانيون أن تزودهم روسيا بقطع ضرورية لتشغيل طائرات «سوخوي 35» خلال بضعة أيام.
وفي خضم ارتفاع وتيرة التحذيرات الأميركية لطرفي الأزمة بضرورة تجنب التصعيد، نبه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي نظيره الإيراني علي باقري كني إلى أن أي هجوم إيراني ستكون له عواقب مدمرة وكارثية على المنطقة، قبل أن يسافر الأخير إلى جدة السعودية لحضور اجتماع استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي لـ «بحث الجرائم المتواصلة للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني بما فيها جريمة اغتيال هنية، واعتداءاته على سيادة جمهورية إيران الإسلامية». وجاء ذلك غداة اختيار حركة حماس يحيى السنوار ليكون رئيس مكتبها السياسي خلفاً لهنية.