يقال إن مدير إحدى المدارس تزوج أخت حارس المدرسة، ﻭكلما تعذر الحصول على مدرس احتياطي ينوب عن مدرس غائب عن الحصة، قام مدير المدرسة بالطلب من هذا الحارس، وبحكم علاقة النسب، أن يقوم مقام مدرس احتياطي لأي فصل دراسي يشكو غياب مدرس، لم يكن المدير مهتماً بمدى استفادة الطلاب، حتى إن كان مظهراً من مظاهر الفساد، بقدر ما كان يهتم بسد ثغرات الغياب بأي طريقة بعيداً عن رقابة وزارة التربية والتعليم ومحاسبتها، حتى تمت ترقية الحارس مدرساً فعلياً في المدرسة، نتيجة تكرار وظيفته التدريسية الجديدة، وبعد مدة صار مدير المدرسة مديراً للمنطقة التعليمية، ليكافئ الحارس - المدرس ويعينه مديراً للمدرسة، ثم ارتقى مدير المنطقة ليصير وكيلاً لوزارة التربية والتعليم، فتذكر نسيبه «حارس الفوضى الخلاقة» وكاتم أسراره، ليرشحه لتولي منصبه السابق مديراً للمنطقة التعليمية.
ولم تمر فترة طويلة حتى رشح هذا الوكيل لمنصب وزير التربية والتعليم، فما كان منه إلا أن يعود لعادته القديمة ويسحب معه نسيبه لمنصب الوكيل الشاغر، وبعد شهور قليلة فوجئ «الحارس المحظوظ» أو وكيل الوزارة، أثناء تصفحه لإحدى الصحف اليومية بخبر يقول إن ﻭﺯﻳﺮ التربية وﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ قرر ﺗﺸﻜﻞ ﻟﺠنة لتقييم الشهادات العلمية لكل العاملين في الوزارة بعد ازدياد أعداد الشهادات العلمية المزورة، فاتصل الحارس بنسيبه الوزير يستفسر منه حول حقيقة الخبر المنشور، فأكد له صحة الخبر، وأنه يعلم أن حارس المدرسة الذي كان مدرساً، ثم مديراً للمدرسة، ثم مديراً للمنطقة التعليمية، ثم وكيلاً للوزارة لا يحمل أي شهادة علمية، ولهذا عينه رئيساً لهذه اللجنة، حتى لا يتجرأ أي عضو في هذه اللجنة على تفحص شهادات الحارس العلمية!
هذه القصة، وإن كانت حقيقية إلى حد ما ووقعت أحداثها في دول أخرى، إلا أن مشاهد منها حدثت وتحدث بيننا أيضاً على أرض الواقع يومياً، نتيجة قرارات حكومات سابقة تركت وراءها عددا كبيرا من الحرس القديم الملتصقين بمناصب حساسة حصلوا عليها دون وجه حق، فلا هم يفهمون أصول ومبادئ وخبايا هذه المناصب، وفي الوقت نفسه لا يترددون في اتخاذ قرارات مصيرية قد تكون قاتلة أحياناً.
أنا أعلم أنه خلال عهود سابقة انتشر فيها الفساد حتى أصيبت أوضاعنا بعجز كاد يكون مزمناً، لولا أن منحنا الله عمراً جديداً لنعاصر عهد الحزم والحسم في كثير من جوانب حياتنا اليومية التي كان قد أصابها الوهن من كثرة الفساد والمفسدين، وأعلم أن تلك الأوضاع كانت نتاجاً حتمياً لغياب الرقابة والمحاسبة حيناً، ولتغييب القوانين حيناً آخر، ليكون الغياب والتغييب طريقاً مفروشاً بالورد للمتسلقين والانتهازيين، وممهداً لتدخل المتنفذين من وزراء ونواب وتجار وغيرهم في صلب العمل الحكومي من أجل تعيينات باراشوتية وتجنيس عشوائي وشفط مناقصات غير مستحقة. كما يجب عدم تجاهل دور حكومات سابقة في الإبقاء على أدعياء الولاءات المزيفة، حتى تشكل بيننا جيش من الحرس القديم، هم نتاج مظليين أو باراشوتيين أنزلوا على مناصب حكومية حساسة، وهم في حقيقة الأمر إما أتباع وزراء سابقين أو نواب سابقون أو متنفذون سابقون، ومن يدري فقد يكون بعضهم ما زال يدير مؤسسته بأوامر من خارج هذه المؤسسة.
هذه الظروف التي نعيشها اليوم خلقت بيننا أوضاعاً فريدة من نوعها، قد تؤثر على التخطيط للتعليم والصحة والبنية التحتية والاقتصاد وغيرها، وقد تعصف بوحدة المجتمع، فكيف السبيل لحماية مؤسساتنا من قرارات طائشة ومتعمدة مع سبق الإصرار والترصد قد تصدر من هذا الحرس القديم؟
وهل لبقايا الحرس القديم دور سلبي على خطط الحكومة الحالية؟