كثيرة هي المشاهد التي عدت علينا أيام زمان ونحن نتابع الأفلام العربية بكل اهتمام وبإحساس مرهف دون أن نلوم أنفسنا كيف كذبوا علينا وخدعونا «أبناء الذين»، ونحن خير أمة، فمن المشاهد المحفورة في ذاكرة التاريخ أن الممثل صاحب الشركة عندما يشعر أنه في خطر بسبب فساده يتصل بالسكرتيرة، ويطلب منها أن تحجز له على أول طيارة الى أوروبا، المشهد الثاني الذي لم يفك طلاسمه أحد حتى الآن عندما يدخل الممثل الزوج الى بيته فيطلب من زوجته أن تحضّر له الحمام فتذهب الزوجة وتعود له بعد فترة فتقول له تفضل يا مرسي حضّرتلك الحمام.
المشهدان اللذان ذكرتهما فيهما سر غريب، كيف أقنعنا المخرج أن أوروبا دولة والدخول لها بكل سهولة دون فيزا، وأن الحمام له طريقة خاصة في التحضير إلى الآن لا نعلمها، والأغرب من ذلك أن الكل كان مقتنعاً ومبسوطاً سواء كان المخرج أو الممثلون أو حتى الجمهور، فتلك المشاهد التي ذكرتها على سوء حبكتها كانت ممتعة ومسلية، ومع تطور الزمن أصبح الكذب والخداع فناً يدرس على مستوى دول ومنظمات، وله جمهوره الذي يصدقه ويجري خلفه.
فمثلاً حرب غزة التي فصلت أحداثها «بالملي» وبطريقة دراماتيكية مخيفة ومرعبة ومفضوحة من مخرج يصنف من أرباب السوابق، ومؤلف خال قلبه من الرحمة، كتب رواية طوفان الأقصى فجعل الضحية في هذا السيناريو العنيف والأشد دموية وضراوة الشعب الغزاوي الأعزل دون غيره ولم يرأف به، وأما المخرج فجعلنا كمشاهدين نندمج وننسجم ونتكيف كل يوم مع مناظر القتل والدمار حتى أصبح المشهد مألوفاً وطبيعياً إلى درجة أن أصوات الدعاء التي كانت تجهر في المساجد بالنصر للفلسطينيين والموت لإسرائيل انخفضت وتلاشت وضاعت، وعدّى علينا كثير من الحوارات والمشاهد التي لم نفهما على وزن احجزي لي على أول طيارة إلى أوروبا وحضري لي الحمام يا سوسو.
ثم أما بعد:
فيلم حرب غزة يتكون من ثلاثة أجزاء الموت، والنزوح، والجوع، وكلها تتربص بالغزيين.