وسط تضارب بشأن نجاح المساعي الأميركية والغربية والإقليمية لمنع التصعيد وعقلنة رد إيران و«حزب الله» على اغتيال إسماعيل هنية بطهران وفؤاد شكر في بيروت، صرح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، أمس، بأن «اتساع رقعة الحرب في غزة لتتحول إلى صراع إقليمي مخاطرة أدركها، لكنني مستعد لخوضها»، متهماً مصر بأداء دور كبير في هجمات 7 أكتوبر، التي شكّلت أكبر نكسة للاحتلال طوال تاريخه.
وقال نتنياهو، المتهم بعرقلة التوصل إلى صفقة مع «حماس» تفضي إلى تبادل إطلاق سراح رهائن وأسرى، وتتضمن هدنة قد تؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار بالقطاع بوساطة أميركية: «أفضّل أن أحظى بتغطية إعلامية سيئة على أن أحظى بنعي جيد».
وأضاف في حديث لمجلة تايم، إنني «أقدم اعتذاري عن هجمات 7 أكتوبر، وآسف بشدة لأن شيئاً كهذا حدث»، في إشارة إلى هجوم «حماس» الذي أطلق شرارة الحرب المتواصلة منذ 308 أيام.
ولفت إلى أنه «لا نواجه حماس فحسب، بل محوراً إيرانياً متكاملاً، وعلينا تنظيم أنفسنا للدفاع على نطاق أوسع، وهدفنا في غزة تحقيق نصر حاسم على حماس، بحيث لا تستطيع عند نهاية القتال تشكيل تهديد لإسرائيل».
وجدد تأكيده على أنه «لن يوافق على أي اتفاق يضمن عودة جميع المحتجزين، ولا ينهي حكم حماس» للقطاع المنكوب، مضيفاً «إنني أرغب في رؤية إدارة مدنية يديرها سكان غزة وربما بدعم من الشركاء الإقليميين».
وتابع: «هدفنا هو تدمير قدرات (حماس) بالكامل، والهدف الأكبر والأهم هو استعادة مبدأ الردع الإسرائيلي».
وفي إشارة إلى تمسّكه برفض إقامة دولة فلسطينية تجمع القطاع والضفة المحتلة، اعتبر أن «فلسطينيي الضفة الغربية يجب أن يديروا شؤونهم ويصوّتوا لمؤسساتهم. ويجب أن يكون لديهم حكم ذاتي دون قدرة على تهديد إسرائيل».
ورأى نتنياهو أن على «حزب الله»، الذي يشنّ هجمات شبه يومية على المناطق الشمالية منذ بدء حرب غزة، التفكير مرتين في عواقب مهاجمة إسرائيل، وبدء حرب أوسع معها.
وفيما يبدو أنه إصرار على احتلال محور فيلادلفيا الحدودي الفاصل بين غزة ومصر، والذي تطالب «حماس» والقاهرة بضرورة الانسحاب منه لإتمام صفقة التبادل التي تضغط واشنطن لتمريرها، قال نتنياهو، إن «نقل الأسلحة والذخيرة من سيناء إلى غزة» كان العامل المغذي الرئيسي وراء هجوم 7 أكتوبر غير المسبوق «وليست الأموال القطرية» التي سمحت حكومته بنقلها إلى «حماس».
تراجع الرد
وجاءت تصريحات نتنياهو في وقت ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أن الاستعدادات الإيرانية لشن هجوم انتقامي، تبدو أقل من المتوقع، مشيرة إلى أن «حزب الله» أقرب لشن «هجوم مستقل» في وقت قريب.
ونقلت الهيئة عن مصادر أميركية قولها، إن إيران ربما تكون بصدد إعادة دراسة ردها على اغتيال هنية، فيما يتعلق بشنّ هجوم متعدد الجبهات على الدولة العبرية، وأن الولايات المتحدة تعمل على مسارين، الأول هو فتح قنوات اتصال دبلوماسية مع طهران، والثاني حشد حلفائها لدفع الجمهورية الإسلامية لإعادة دراسة قرارها بشن الهجوم الذي قد يقود إلى حرب شاملة.
اتهام وكلفة
في المقابل، ذكرت البعثة الدبلوماسية لإيران لدى الأمم المتحدة، أن أولوية طهران هي وقف النار بغزة وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، كذلك معاقبة المعتدي باغتيال هنية ومنع تكرار العدوان الإسرائيلي على سيادتها.
وأكد القائم بأعمال الخارجية الإيرانية، علي باقري كني، أن اغتيال قائد «حماس» الراحل في طهران «خطأ استراتيجي»، سيكون مكلفاً جداً لإسرائيل، مستدركاً بالقول، إن الرد الإيراني سيكون في مصلحة «أمن المنطقة واستقرارها».
وشدد باقري خلال وجوده في مدينة جدة السعودية، غداة اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، على «حقّ إيران في الدفاع المشروع عن الذات».
واتهم الوزير الإيراني إسرائيل بأنها «تريد تصدير التوتر والحرب والأزمة من غزة إلى سائر المنطقة»، مؤكداً في الوقت نفسه أنها غير قادرة على شنّ حرب ضد بلاده.
وحمّلت منظمة التعاون الإسلامي، أمس الأول، إسرائيل «المسؤولية الكاملة» عن اغتيال هنية بطهران، محذّرة من أن هذا «الاعتداء الآثم يقوّض الأمن والاستقرار» في المنطقة.
كما اتهم وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، إسرائيل بأن تصعيدها الراهن يستهدف تعطيل مبادرة بايدن بشأن وقف حرب غزة، وذكر، خلال اتصال هاتفي مع نظيره النرويجي إسبن بارث إيدي، أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران «خطأ استراتيجي»، سيكون «مكلفاً» لإسرائيل.
سحب وإبعاد
إلى ذلك، نشبت أزمة دبلوماسية بين دولة الاحتلال والنرويج، على خلفية سحب الأولى تصاريح 8 دبلوماسيين يمثلون النرويج لدى السلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية، إذ هددت أوسلو التي اعترفت أخيراً مع مدريد ودبلن بـ «الدولة الفلسطينية» بأن الخطوة لن تمرّ من دون عواقب.
من جانب آخر، أصدرت سلطات الاحتلال قراراً قضائياً يقضي بمنع خطيب «الأقصى»، الشيخ عكرمة صبري، من دخول المسجد لمدة 6 أشهر، بعد أن اعتقلته وأفرجت عنه عقب أدائه صلاة الغائب على روح هنية.
من جانب آخر، طالبت وزارة الخارجية بالسلطة الفلسطينية المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، معتبرة أن تصريحه بشأن تبرير تجويع مليوني مدني في غزة حتى الموت، يعد «اعترافاً صريحاً بدعم وتبنّي سياسة الإبادة الجماعية». وأتى ذلك في وقت طالب جيش الاحتلال سكان أحياء جديدة في مدينة خان يونس جنوب غزة بإخلائها قسراً، تمهيداً لشن هجوم عليها بادعاء إطلاق «حماس» صواريخ منها.
وتسبب القصف الإسرائيلي على أنحاء القطاع في مقتل 22 فلسطينياً أمس.