لليوم الثالث على التوالي، يحاول الجيش الروسي التصدي لتوغل حدودي كبير تمكنت خلاله القوات الأوكرانية من التقدّم بمسافة تصل إلى عشرة كيلومترات داخل منطقة كورسك ونشر أكثر من ألف جندي وأكثر من عشرين مدرعة ودبابة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس أن قواتها «تواصل تدمير» الوحدات الأوكرانية وتلجأ إلى الضربات الجوية والقصف الصاروخي والمدفعي للتصدي لها. وذكرت أنها استدعت قوات احتياط على وجه السرعة و«تحبط محاولات التوغل» بشكل أعمق في منطقة كورسك.
وغداة وصف الرئيس فلاديمير بوتين الهجوم الأكبر لأوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير 2022 بأنه «استفزاز واسع النطاق» وتعهّد بسحقه، دعا الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن دميتري ميدفيديف إلى توسيع الحرب لتشمل أوكرانيا بالكامل، والذهاب إلى كييف و«أبعد من ذلك».
وأفاد «معهد دراسة الحرب» المستقل ومقره الولايات المتحدة بأن أوكرانيا حققت مكاسب ميدانية كبيرة في أول يومين من التوغل وتقدّمت لمسافة تصل إلى 10 كيلومترات في كورسك أوبلاستي في ظل العمليات الهجومية الآلية المتواصلة على الأراضي الروسية».
وأضاف: «يشير الحجم الحالي المؤكد وموقع التقدّم الأوكراني في كورسك أوبلاست إلى أن القوات الأوكرانية اخترقت خطي دفاع روسيين على الأقل».
ولم تعلن كييف رسمياً مسؤوليتها عن العملية، لكنَّ مساعداً للرئيس فولوديمير زيلينسكي حمّل موسكو مسؤولية التوغل.
وقال مستشاره ميخايلو بودولياك إن «السبب الأساسي لأي تصعيد وقصف وتحركات عسكرية وعمليات إجلاء قسرية وتدمير أشكال الحياة الطبيعية بما في ذلك ضمن أراضي روسيا الاتحادية مثل منطقتي كورسك وبيلغورود، ليس إلا عدوان روسيا الواضح».
وبينما لم يأت على ذكر هجمات كورسك، قال زيلينسكي: «كلما ضغطنا أكثر على روسيا اقتربنا أكثر من السلام... سلام عادل باستخدام القوة العادلة».
وتركّز التقدم الأوكراني على سودجا، وهي بلدة تعد حوالي 5000 نسمة وتعتبر مركزاً لوجستياً تقع على بعد ثمانية كيلومترات عن الحدود الأوكرانية.
إلى ذلك، ذكرت مجموعة الطاقة الروسية العملاقة «غازبروم» الخميس أنها ستواصل شحن الغاز عبر محطة القياس في سودجا، آخر نقطة عبور للغاز الروسي المتجه إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
وفي تفاصيل الخبر:
تقاتل القوات الروسية لليوم الثالث على التوالي لصد هجوم مفاجئ شنه الجيش الأوكراني مدعوما بالدبابات والمدفعية وأسراب من الطائرات المسيرة، ونجح في التوغل لـ15 كيلومترا داخل الحدود الروسية، على بعد كيلومترات فقط من مفاعل كورسك النووي، مما أجبر موسكو على إعلان الطوارئ، فيما طلبت واشنطن من كييف توضيحات عن هذا الهجوم المباغت.
وبينما ترفض كييف التعليق على هذا الهجوم الأكبر منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، دعا الرئيس الروسي السابق، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، إلى توسيع الحرب لتشمل أوكرانيا بالكامل، والذهاب إلى كييف و«أبعد من ذلك»، مهددا بـ «غزو شامل» لأوكرانيا.
وأعلنت موسكو حالة الطوارئ في منطقة كورسك الحدودية، مؤكدة أنها تبذل كل ما بوسعها لسحق هذا التوغل الأوكراني الذي تركز، بحسب محللين، في محيط محطة الغاز في بلدة سودجا، التي لا تزال تؤمّن إمدادات إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
وأوضح معهد دراسة الحرب، ومقره الولايات المتحدة، أن القوات الأوكرانية تقدمت بعمق يصل إلى 10 كيلومترات، واخترقت «خطين دفاعيين روسيين على الأقل»، في حين ذكرت قناة ريبار، المقربة من الجيش الروسي، أن القوات الأوكرانية «سيطرت على النصف الغربي من بلدة سودجا».
غير أن المدون العسكري الروسي يوري بودولياكا أعلن أنه تمت «خسارة» سودجا، وهي «مليئة بالجنود الأوكرانيين»، مضيفا أن القوات الأوكرانية تقدمت أيضا باتجاه بلدة كورينيفو على بعد أكثر من 25 كيلومترا من الحدود، وسط انتقادات لفشل الدفاع عن كورسك.
4 مفاعلات
وأعلن الحرس الوطني الروسي تعزيز إجراءاته الأمنية لحماية محطة كورسك النووية، التي تضم 4 مفاعلات، وتقع على بعد نحو 60 كيلومترا فقط من الحدود الأوكرانية، ونشر قوات إضافية لمكافحة عمليات التخريب والاستطلاع في منطقتي كورسك وبيلغورود.
في المقابل، أكد مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك أن عدوان روسيا هو سبب أي تصعيد، بما في ذلك الأحداث في منطقتي كورسك وبيلغورود الروسيتين، وكتب على منصة إكس أن «السبب الجذري لأي تصعيد أو قصف أو أعمال عسكرية أو عمليات إجلاء قسري أو تدمير لأنماط الحياة الطبيعية، بما في ذلك داخل الأراضي الروسية، مثل منطقتي كورسك وبيلغورود، هو فقط العدوان الروسي الواضح».
على الصعيد الدولي، أعلنت الولايات المتحدة أنها تجري اتصالات مع كييف لمعرفة المزيد عن «أهداف» توغل القوات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية. ورداً على سؤال بشأن العملية العسكرية الأوكرانية التي أدت إلى إجلاء آلاف المدنيين على جانبي الحدود، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار، للصحافيين، «سنتصل بالجيش الأوكراني لمعرفة المزيد عن أهدافه»، مضيفة أن واشنطن تدعم الإجراءات «المنطقية» التي اتخذتها أوكرانيا لوقف هجمات القوات الروسية.
دفاع عن النفس
من جانبه، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن التوغل الأوكراني الأخير في كورسك الروسية هو «دفاع عن النفس»، وجزء من «الحرب الدفاعية المشروعة» لأوكرانيا.
وقال المتحدث باسم الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد جوزيب بوريل إن أوكرانيا «لديها الحق في الدفاع عن نفسها» ضد روسيا، بما يشمل «ضرب العدو على أراضيه»، مؤكدا «الدعم الأوروبي الكامل لأوكرانيا في دفاعها المشروع عن نفسها ضد العدوان»، وأشار إلى أن الاتحاد سيستمر في تزويد كييف بـ «المساعدة السياسية والمالية والإنسانية والدبلوماسية والعسكرية».
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن سمح لكييف في مايو الماضي بأن تستخدم أسلحة أميركية لضرب أهداف داخل روسيا قرب منطقة خاركيف الواقعة شمال شرق أوكرانيا والتي تتعرض لهجوم روسي.
لكن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي شدد على أن «شيئاً لم يتغير» في السياسة الأميركية الرافضة لشن أي ضربة أوكرانية في عمق الأراضي الروسية، فيما انتقد المتحدث باسم «الخارجية» الأميركية ماثيو ميلر وصف الرئيس الروسي التوغل الأوكراني بـ «استفزاز واسع النطاق»، مشيرا إلى أنه «من المبالغ فيه أن نسمي هذا الأمر استفزازاً، بالنظر إلى أن روسيا انتهكت سلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها».
يذكر أنه في واحدة من أكبر الهجمات الأوكرانية على روسيا في الحرب المستمرة منذ عامين، اخترق حوالي ألف جندي أوكراني الحدود الروسية في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي بالدبابات والمركبات المدرعة وأسراب من الطائرات المسيرة والمدفعية، وفقا لمسؤولين روس.
وتوغلت القوات الأوكرانية في الحقول والغابات الحدودية باتجاه الشمال من بلدة سودجا، وهي آخر نقطة شحن تعمل حاليا لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.