في جريمة جديدة تضاف إلى سجلها الأسود، واستفزاز تخريبي للمساعي الدولية والإقليمية المتجددة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة الفلسطيني، ارتكبت إسرائيل، فجر أمس، مجزرة مروعة، استهدفت مجمع مدرسة التابعين في حي الدرج بمدينة غزة، الذي يؤوي آلاف النازحين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 فلسطيني بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.

وجاءت الضربة الوحشية، التي زعم الجيش الإسرائيلي أنها استهدفت مقاتلين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، بعد ساعات من بيان أميركي ـ قطري ـ مصري، لاقى ترحيباً دولياً واسعاً، يدعو إلى جولة جديدة من المفاوضات لتحقيق وقفٍ لإطلاق النار في غزة، تُعقَد الخميس المقبل في الدوحة أو القاهرة، في إطار جهود دولية حثيثة لتجنيب المنطقة حرباً إقليمية مدمرة، مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران ومحورها الذي يضم «حزب الله» في لبنان، والحوثيين باليمن، وفصائل مسلحة في سورية والعراق.

Ad

ودانت الكويت ودول عربية وإسلامية والأمم المتحدة المجزرة، التي تعكس تصميم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على المضي في الحرب، وسط دعوات لتحرك دولي لحماية الفلسطينيين، وإجراء تحقيق دولي في المجزرة ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها.

ورغم الغيوم الملبّدة في سماء التهدئة بغزة، بدا أن الاتصالات بين إيران وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حول الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنية في قلب طهران، لم تتأثر. فقد كشف مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أنه خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها فريق أمني أميركي لطهران، وانفردت «الجريدة» بالكشف عنها، اقترح الجانب الأميركي فتح خط ساخن مباشر بين الجانبين، مضيفاً أن طهران أبلغت واشنطن موافقتها الخميس الماضي، ودخل الخط في الخدمة فعلياً أمس الأول (الجمعة).

وكانت البعثة الدائمة لإيران بالأمم المتحدة قالت، في بيان، أمس، إن هناك «قنوات مباشرة ووسيطة» بين الجانبين، مشيرة إلى رغبة مشتركة في إبقاء التفاصيل سرية.

وكشف المصدر لـ «الجريدة»، أن طهران تلقت أمس الأول رسالة جديدة من واشنطن موجهة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، تطلب فيها من الإيرانيين تأجيل ردهم على اغتيال هنية، من أسبوعين إلى بضعة أسابيع (مستخدمة العبارة الإنكليزية couple of weeks).

وقالت البعثة الإيرانية، صباح أمس، إن بلادها تحتفظ بـ «حقها المشروع» في الرد على انتهاك أمنها القومي وسيادتها «وهو أمر غير مرتبط بتاتاً بوقف إطلاق النار في غزة»، لكنها في الوقت نفسه، فتحت الباب أمام تأجيل الرد أو تغيير شكله، عندما ذكرت أن طهران تأمل «ألا يكون توقيت ردنا وطريقة تنفيذه على حساب وقف إطلاق نار محتمل».

وبحسب المصدر، جددت الرسالة الأميركية، التي تلقتها طهران، التأكيد أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب مع إيران، وأن حشود القوات الأميركية في المنطقة هدفها ليس خوض حرب بل تجنبها، وأن بايدن يطمح إلى حل ملفين أساسيين في منطقة الشرق الأوسط قبل انتهاء ولايته، الأول، هو أزمة حرب غزة، وأنه إذا كان ما يهم إيران فعلاً هو وقف إطلاق النار في القطاع وعدم توسيع الحرب بالمنطقة، فإن إدارة بايدن بدأت عملية ضغط جدية على إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار، وأن أي تصعيد عسكري في المنطقة لن يكون في مصلحة نجاح المفاوضات ولا في مصلحة الشعب الفلسطيني.

وأوضح المصدر أن الملف الآخر، الذي يريد بايدن إنهاءه، هو الملف النووي الإيراني، وبشأنه عرضت الرسالة الأميركية على إيران العودة فوراً إلى المفاوضات في سلطنة عُمان، لبحث سبل العودة إلى تطبيق الاتفاق الموقع عام 2015.

وفي تطور لافت، كشف المصدر أن الأمر وصل بالجانب الأميركي للإشارة إلى أنه مستعد لمساعدة الإيرانيين لردم الثغرات في منظومة أمنهم الداخلي، لضمان عدم تكرار حوادث كحادثة اغتيال هنية، في حال تخلّت طهران عن الرد على إسرائيل.

على المستوى الإيراني، قال المصدر لـ «الجريدة»، إن الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان نجح بالفعل في إقناع خامنئي بالتريث في الرد حتى يكون على الأقل للبلد حكومة مكتملة الصلاحيات في حال نشوب حرب كبيرة، مضيفاً أن بزشكيان سيعرض حكومته بعد غد أمام مجلس الشورى (البرلمان) الذي سيكون لديه أسبوعان للتصويت على منح الثقة للوزراء.

ولفت إلى أن بزشكيان ذكر أربعينية الحسين التي تنتهي في 25 الجاري كسبب إضافي لإقناع خامنئي بالتريث.

وحسب تصور بزشكيان وفريقه، وتقديرات المصدر، يمكن أن يتأخر الرد أسبوعين على الأقل، وإذا نجح الأميركيون خلال هذه الفترة في تحقيق اختراق بشأن التهدئة في غزة، يمكن أن ترد إيران على اغتيال هنية عبر عمليات اغتيال لشخصيات إسرائيلية او موالية لتل أبيب وليس من خلال هجوم صاروخي مشابه للرد على مقتل جنرالات إيرانيين في ضربة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي.

وأوضح أن خامنئي رفض اقتراحاً لاستهداف شخصيات من جهاز الموساد أو مرتبطة به في دول مجاورة لإيران، وشدد على أن الرد يجب أن يكون في تل أبيب، كما رفضت الخارجية الإيرانية هذا الاقتراح محذرة من عواقب سلبية دبلوماسية وسياسية.

وأشار المصدر إلى أنه لا أحد في إيران، ولا حتى بزشكيان نفسه يعلم ما سيكون قرار خامنئي، وأن كل شيء مرهون حالياً بقرار المرشد.

إلى ذلك، وفيما يخص الحديث عن تصفية رئيس المكتب السياسي الجديد لحركة حماس يحيى السنوار، يطرح سؤال نفسه: هل تجهّز إسرائيل الرأي العام الإسرائيلي لاغتيال السنوار، حتى لو كان الثمن مقتل الرهائن الذين يحيط بهم نفسه؟ هذا السؤال يتبادر إلى أذهان العديد من المراقبين والخبراء، وذلك بعد نشر مكثف خلال الأيام الأخيرة لمعلومات تفيد بالاقتراب من تصفية السنوار.

وقدمت أوساط أمنية مطلعة إيجازات لصحافيين في إسرائيل حول هذا الأمر، وقال مسؤول عسكري إن الإيجازات تأتي ممن يعرفون أنفسهم بأنهم «مصادر أمنية»، وهذا يعني، عادة، أنهم من مكتب رئيس الحكومة أو وزارة الدفاع.

وتجدر الإشارة إلى أن البعض في إسرائيل يرى أن اختيار السنوار لقيادة الجناج السياسي لـ «حماس» أفضل لتل أبيب، لأن تصفيته تعني إنهاء المستويين السياسي والعسكري بضربة واحدة، علماً بأنه لم يتبق في قطاع غزة من قادة الصف الأول في الحركة سوى السنوار، وشقيقه محمد، ومسؤول خان يونس العسكري بعد أن قامت إسرائيل على مدى أشهر من الحرب بتصفية قيادات كبيرة ومهمة، منهم محمد الضيف، ومروان عيسى وآخرين، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الشورى والمكتب السياسي الذين يقيمون في القطاع.

إلى ذلك، يقول مسؤول عسكري كبير، إن الحرب على غزة لم تنته بعد، وإن إسرائيل تناور برياً بين مناطق النزوح والأنفاق ومناطق تتمركز فيها عناصر «كتائب عز الدين القسام»، لافتاً إلى أن الحرب ليست سهلة، و«حماس» تستطيع من وقت لآخر استعادة بعض قواها وتوجيه ضربات موجعة للجنود الإسرائيليين في غزة.

في غضون ذلك، يقوم جيش الاحتلال بتدمير أنفاق على الحدود المصرية بهدوء وتكتم، في حين يسرّب مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنباء للترويج للإمكانيات الإسرائيلية، مخالفاً بذلك رأي الجيش الذي لا يريد إزعاج مصر أو إغضابها، إذ إن معظم الأنفاق مغلقة من الجانب المصري.

وفي تفاصيل الخبر:

في تصعيد جديد وضع بخانة محاولة نسف جهود التهدئة التي تقودها الولايات المتحدة بالتنسيق مع مصر وقطر، بهدف التوصل إلى اتفاق لتبادل المحتجزين وإقرار هدنة بغزة، قُتل، فجر أمس، 100 وأصيب العشرات بجروح العديد منها خطيرة للغاية، إثر قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين في حي الدرج شرق مدينة غزة.

وأفادت وكالة وفا الفلسطينية بأن الطيران الحربي الإسرائيلي قصف مدرسة التابعين خلال تأدية المواطنين صلاة الفجر، فيما ذكر الدفاع المدني أن «3 صواريخ أصابت المدرسة، مما جعل من الصعب على طواقم الدفاع تجميع جثة كاملة، مع تناثر الأشلاء».

تبرير وتكذيب

وبرر الجيش الإسرائيلي الضربة بالقول إنه اتخذ تدابير للتخفيف من خطر إيذاء المدنيين عبر استخدام ذخائر دقيقة قبل قيام قواته الجوية بـ «ضرب مركز قيادة وسيطرة كان بمنزلة مخبأ لإرهابيي وقيادات حماس والجهاد».

وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، إن طائرة أغارت «بتوجيه استخباري على 20 من المخربين في مقر قيادة عسكري داخل مدرسة تقع بجوار مسجد في منطقة الدرج والتفاح».

في المقابل، نفت «حماس» وجود أي مسلحين لها داخل «التابعين»، ووصفت الغارة بأنها «جريمة مروّعة» تشكّل تصعيداً خطيراً.

ورأت الحركة أن «المجزرة البشعة تأكيدٌ واضحٌ من الحكومة الإسرائيلية على مضيّها في حرب الإبادة»، مضيفة أن استمرار عمليات من هذا النوع «لم يكن ليتواصَل، لولا الشراكة والدعم الأميركي السياسي والعسكري المباشر للحكومة الإسرائيلية وجيشها الإرهابي».

تنديد وفزع

في هذه الأثناء، أصدرت عدة دول، في مقدمتها الكويت والسعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن وتركيا والعراق وإيران، بيانات تنديد بالمذبحة.

وفي الكويت أعربت وزارة الخارجية عن الإدانة والاستنكار الشديدين لقيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف «التابعين»، التي تؤوي نازحين، مما أدى إلى سقوط العشرات من الفلسطينيين وإصابة عدد منهم، في استمرار للانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأكدت الوزارة ضرورة تدخّل المجتمع الدولي ومجلس الأمن من أجل إيقاف الجرائم البشعة بحق شعب أعزل وبذل مزيد من الجهود لوقف إراقة الدماء.

وشددت على ضرورة توفير الحماية المدنية للفلسطينيين العزّل وإرغام الكيان المحتل على الانصياع للقرارات الأممية.

وفي حين انطلقت دعوات للتظاهر في الضفة الغربية المحتلة للتنديد بالمشاهد التي ذكّرت ببداية حرب غزة المتواصلة منذ 10 أشهر، استنكر المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، الضربة، داعياً الولايات المتحدة إلى «وقف دعمها» لإسرائيل التي تتسبب في قتل مدنيين.

وبينما اتهمت مقررة الأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، إسرائيل، بارتكاب «إبادة جماعية ضد الفلسطينيين»، ردت تل أبيب باتهامها بـ «معاداة السامية».

وأعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن «الفزع الشديد» إزاء صور عشرات القتلى الفلسطينيين جراء المجزرة.

وذكرت وزارة الخارجية المصرية أن «قتل الأعداد الهائلة من المدنيين عمداً كلما تكثفت جهود الوسطاء هو دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي لإنهاء الحرب»، فيما اتهم الأردن سلطات الاحتلال بالسعي «لعرقلة وإفشال» مباحثات الهدنة المزمع عقدها منتصف الشهر الجاري.

وطالبت الدوحة بتحقيق دولي عاجل يتضمن إرسال محققين أمميين مستقلين لتقصي الحقائق في استهداف «التابعين»، فيما دانت وزارة الخارجية السعودية، بأشد العبارات، المجازر الجماعية وتقاعس المجتمع الدولي تجاه محاسبة إسرائيل.

توضيح وتأكيد

في غضون ذلك، أكدت بعثة إيران الدائمة في الأمم المتحدة أن التوصل إلى وقف إطلاق نار بغزة هو «أولوية لطهران»، مشددة في الوقت ذاته على «حقها المشروع» في الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية، والذي نسبته للدولة العبرية.

وذكرت البعثة أن «أي اتفاق توافق عليه حماس سنعترف به أيضاً»، لكنها شددت على أن إسرائيل «انتهكت أمننا القومي وسيادتنا من خلال العمل الإرهابي الأخير. ونملك الحق المشروع بالدفاع عن أنفسنا، وهو أمر غير مرتبط بتاتاً بوقف إطلاق النار في غزة». وأوضحت البعثة: «نأمل ألا يكون توقيت ردنا وطريقة تنفيذه على حساب وقف إطلاق نار محتمل بغزة».

وفي تأكيد جديد لخبر «الجريدة»، الذي نشرته الأحد الماضي، بشأن قيام وفد أمني أميركي بزيارة سرية لإيران، أشارت ممثلية إيران في الأمم المتحدة إلى «وجود قنوات رسمية مباشرة ووسيطة لتبادل الرسائل بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، ويفضل الطرفان عدم الكشف عن تفاصيلها».

دعم وانتقاد

وجاء التوضيح الإيراني بشأن احتمال تأجيل أو تغيير شكل ضربة طهران الانتقامية التي تضغط الولايات المتحدة لمنعها لتفادي اندلاع مواجهة إقليمية شاملة، بعد ساعات من انتقاد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، بشدة، وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموترتيش الذي اتهمه بأن نهجه سيؤدي إلى مقتل الرهائن الإسرائيليين المتبقين في أسر «حماس»، على خلفية انتقاده لبيان أميركي - مصري - قطري مشترك بشأن الصفقة التي طرحها الرئيس جو بايدن أواخر مايو الماضي.

وقال المسؤول الأميركي إن «المواقف التي عبّر عنها سموتريتش تهدد بالفعل أمن إسرائيل. ولن يسمح الرئيس بايدن بتعطيل الصفقة»، لافتا إلى أن سموتريتش زعم أن الدول الوسيطة تفرض على إسرائيل «اتفاق استسلام»، بينما يرسل الرئيس بايدن الجيش الأميركي إلى الشرق الأوسط للدفاع عن إسرائيل ضد إيران. في موازاة ذلك، ذكرت شبكة سي إن إن، أن واشنطن تستعد لتقديم دعم مالي بقيمة 3.5 مليارات دولار لمساعدة إسرائيل بالنفقات العسكرية، في إطار حزمة وافق عليها «الكونغرس»، خلال أبريل الماضي.