البصمة الثالثة
أصدر مجلس الخدمة المدنية قراراً بشأن تنظيم قواعد وأحكام وضوابط العمل الرسمي بإضافة بصمة حضور بهدف إثبات تواجد الموظف في مكان العمل أثناء الدوام الرسمي، وفقاً لظروف ومصلحة العمل، وقد أثار هذا القرار حفيظة الكثير من الموظفين، دون النظر بشمولية إلى بقية مفاهيم الإنتاجية ومتطلبات بيئة العمل التحفيزية، وتوجّه الدولة إلى ميكنة قطاعاتها الوظيفية والتحول الرقمي.
قرار مجلس الخدمة المدنية يُستشف منه أن هناك مشكلة حقيقية في إنتاجية الموظف، بالرغم من أن معظم القطاعات الحكومية متخمة بالموظفين، ووجود بطالة مقنعة تعانيها معظم الهياكل الوظيفية للدولة، بسبب التكدس الوظيفي في العديد من التخصصات.
وتشير بعض الدراسات إلى أن أعداد الموظفين ببعض القطاعات الإدارية تفوق الحاجة الفعلية، وأن مخرجات التعليم من الحقوقيين والمهندسين لا يوجد لها احتياج فعلي وتفوق الطاقة الاستيعابية، فضلاً عن أن بعض التخصصات ليس لها وصف وظيفي يتناسب مع المؤهلات الدراسية.
مشكلة القطاع الحكومي ليست محصورة بالبصمة الثالثة، فالقوانين التحفيزية لدى ديوان الخدمة المدنية أجهضت فكرة الإبداع والشغف الوظيفي، بعد أن وضع الديوان الشهادة الجامعية والأقدمية ضمن معايير الترقي والحصول على المناصب الإشرافية، وبذلك قضى على مسار التميز والتنافس لدى أصحاب الشهادات الفنية، مما ترتب عليه توجه معظم موظفي الحكومة للحصول على الشهادات الجامعية.
ضبط سلوك الموظفين مسؤولية تضامنية مجتمعية، فمن تحصّل على شهادة علمية دون جهد لن يخلص في عمله، ولن يتردد في التعدي على حقوق الآخرين وسرقة جهدهم.
مشروع الارتقاء بإنتاجية العمل يتطلب إعادة النظر في آليات وبيئة العمل، فهناك الكثير من الإجراءات التي يجب اتخاذها لتحفيز الموظفين على الإنتاجية، ومنها على سبيل المثال:
1 - توفير بيئة عمل جيدة مريحة وآمنة، وتوفير الأدوات اللازمة لأداء مهامه الوظيفية بكفاءة.
2 - تقديم مكافآت مالية ورمزية وكتب الشكر للموظفين المتميزين عند تحقيقهم الأهداف المنوطة بهم.
3 - المحافظة على قنوات تواصل فاعلة بين المسؤولين والموظفين، والاستماع لمشاكلهم واقتراحاتهم.
4 - توفير فرص تدريب وتطوير مهني لمساعدة الموظفين على تحسين مهاراتهم وزيادة معرفتهم.
5 - التشجيع على التوازن بين العمل وتقدير الحياة الشخصية وخصوصيات الموظفين.
6 - وضع أهداف واقعية واضحة وقابلة للقياس، وإشراك الموظفين فيها وتشجيعهم على تحقيقها.
7 - تطبيق مبدأ المرونة في ساعات العمل، وإعطاء ساعات راحة إضافية كمنحة عند إنجاز الموظف للمهام المنوطة به قبل انقضاء الزمن المحدد له، كنوع من التشجيع والتحفيز.
8 - التشجيع على عمل الأنشطة الاجتماعية بين الزملاء لبناء روح الفريق وتعزيز التعاون بين فترة وأخرى.
9 - الاهتمام بالتغذية الراجعة من خلال تقديم الملاحظات البناءة لمساعدة الموظفين على التعرف على نقاط قوتهم وضعفهم، والعمل على تحسينها.
10 - منح الموظفين الفرصة لتحمّل مسؤوليات جديدة وإظهار قدراتهم، لتعزيز الثقة بالنفس والشعور بالإنجاز دون العمل على تصيّد الأخطاء.
هذه الخطوات الهدف منها خلق بيئة تنافسية تسهم في رفع إنتاجية الموظف، مع تأكيد ضرورة فتح مسارات العمل بالقطاع الخاص، وتشجيع المبادرين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتذليل الصعاب الإدارية والمالية التي قد تواجههم من خلال إنشاء هيئة مختصة تعمل على توجيههم وإرشادهم للقطاعات الناجحة.
ودمتم سالمين.