يونس يدعو لبناء بنغلادش جديدة وعدم التفرقة بحسب الدين
خلال احتضانه والدة أحد الطلبة الذين قُتلوا برصاص الشرطة في حادث أشعل الاحتجاجات الحاشدة التي أنهت 15 عاماً من حكم الشيخة حسينة، دعا رئيس حكومة بنغلادش الجديد محمد يونس إلى الوحدة، مؤكداً للصحافيين أن «مسؤوليتنا هي بناء بنغلادش جديدة».
وعاد يونس (84 عاماً) الحائز جائزة نوبل من أوروبا في وقت سابق هذا الأسبوع، لقيادة إدارة مؤقتة تواجه تحدياً هائلاً يتمثل في إنهاء الفوضى والعودة إلى المسار الديموقراطي.
وشهدت بنغلادش هجمات انتقامية ضد الأقلية الهندوسية بعد إطاحة رئيسة الوزراء السابقة أثارت قلقاً في الهند المجاورة، وخشية في الداخل أيضاً، وقال يونس: «لا تفرِّقوا بحسب الدين».
وحث يونس على الهدوء، خلال زيارة لمدينة رانغبور في الشمال لتقديم العزاء في الطالب أبوسعيد، وهو أول طالب قُتل في الاضطرابات الشهر الماضي.
وقتل أبوسعيد (25 عاماً) برصاص الشرطة من مسافة قصيرة في 16 يوليو الماضي في بداية قمع التظاهرات الطلابية ضد حكومة حسينة.
وفرت حسينة (76 عاماً) إلى الهند المجاورة الاثنين الماضي على وقع تظاهرات حاشدة في شوارع العاصمة دكا، كانت بمثابة نهاية دراماتيكية لقبضتها الحديدية على السلطة.
واتُّهِمت حكومتها بانتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع، من بينها الإعدام خارج نطاق القضاء لآلاف من معارضيها السياسيين.
واختفى معها وزراء حكومتها الذين صُدموا بإطاحتها، في حين أُرغم عدد كبير من المسؤولين المعينين على الاستقالة، بمَن فيهم قائد الشرطة الوطنية، ومحافظ البنك المركزي. وأصبح رئيس المحكمة العليا، أمس، آخر المسؤولين الذين أعلنوا استقالتهم.
وفور سقوط حسينة هوجم عدد من المتاجر والمنازل التي يملكها الهندوس الذين يعتبرهم البعض من أنصارها. ويمثل الهندوس نحو 8 في المئة من سكان بنغلادش. ومنذ فرار حسينة، وصل المئات منهم إلى الحدود الهندية سعياً للعبور.
وكان فرار حسينة سبباً في تفاقم الضغينة تجاه الهند التي أدت دوراً عسكرياً حاسماً في استقلال بنغلادش، لكنها دعمت حسينة إلى أقصى حد.
ودعا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الخميس الماضي إلى ضمان «سلامة الهندوس وجميع الأقليات الأخرى وتوفير الحماية لهم».
وقُتل أكثر من 450 شخصاً في الاضطرابات التي أفضت إلى استقالة حسينة، من بينهم عشرات من عناصر الشرطة الذين قُتلوا خلال قمعهم التظاهرات.
وأعلنت حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها يونس، أن إرساء القانون والنظام «أولويتها القصوى».
وما يزيد من تعقيد جهود الحكومة إضراب أعلنته نقابة الشرطة الثلاثاء، قائلة إن عناصرها لن يلتحقوا بالخدمة ما لم تُضمن سلامتهم.
وقالت الشرطة، إن أكثر من نصف مراكزها على مستوى البلاد عاودت الخدمة بحلول أمس.
ويتولى حراسة المباني عناصر من الجيش، المؤسسة التي تحظى باحترام شعبي أكثر من الشرطة لقرارها عدم قمع الاحتجاجات.
وجرت محاولتان للفرار من سجنين شمال دكا هذا الأسبوع، وتمكن أكثر من 200 سجين من الفرار من أحدهما.
وفي تفاصيل الخبر:
تواجه الحكومة الموقتة التي شكلت في بنغلادش بقيادة محمد يونس، الحائز جائزة نوبل للسلام، تحديات كبرى، تتمثل في دور الجيش المستقبلي، وتحريك عجلة الاقتصاد، وإجراء الانتخابات، وإعادة الثقة بالشرطة ورجال الأمن، وبالقضاء أيضاً، وفق ما يرى المحللون.
وكلف يونس «84 عاماً»، الخبير الاقتصادي المعروف بإخراج الملايين من الفقر بفضل مصرفه الرائد لتمويل المشاريع الصغيرة، تشكيل حكومة انتقالية مدنية بعد حل البرلمان وفرار رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، وسيطرة الجيش على الوضع دون توضيح طبيعة دوره مستقبلا.
وغداة ترؤسه احتفالاً تكريمياً مهيباً للطلاب أبطال الاستقلال في مستهل تولي مهامها، دعا يونس إلى الوحدة، وقال هو يحتضن والدة طالب قتل برصاص الشرطة في حادث أشعل الاحتجاجات الحاشدة التي أنهت 15 عاماً من حكم حسينة: «لا تفرّقوا بحسب الدين».
ورأى مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون بواشنطن، مايكل كوغلمان، أن «القادة العسكريين سيؤدون دوراً كبيراً في الإشراف على هذه الحكومة الانتقالية، ولو أنهم لا يتولون رسمياً قيادتها».
وإن كانت الحشود احتفلت بإطاحة حسينة بعد أسابيع من التظاهرات التي انطلقت كحركة طلابية احتجاجاً على نظام الحصص في الوظائف العامة، فإن العسكريين هم الذين قلبوا الوضع. فقرار الجيش عدم الانضمام إلى الشرطة وغيرها من قوات الأمن في قمع التظاهرات بشدة، مبدلاً موقفه الموالي تماماً لرئيسة الوزراء، هو الذي تسبب في سقوطها.
وأوضح كوغلمان أن «الكثيرين يخشون أن يمنح تشكيل حكومة انتقالية على المدى البعيد الجيش هامشاً أكبر لترسيخ دوره». لكنه أضاف أن الجيش يبدو «أقل ميلاً بكثير اليوم إلى أداء دور نشط ومحوري في السياسة مما كان قبل عقود».
وبالنسبة إلى الأمن، فمع مقتل أكثر من 400 شخص في المواجهات التي استمرت عدة أسابيع، نددت الشرطة، منذ فرار حسينة، بأعمال انتقامية استهدفت عناصرها وحلفاءها. وأعربت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ودبلوماسيون عن قلقهم حيال الهجمات على الأقليات، ولا سيما الهندوسية، التي يعتبرها البعض مناصرة بشدة لحزب حسينة «رابطة عوامي».
واعتبر سميرتي سينغ (من منظمة العفو الدولية) أن «المهمة الأولى للحكومة الانتقالية يجب أن تكون ضمان حماية الحق في الحياة وحرية التعبير»، و«إيجاد وسيلة لتبديد أي مخاطر بوقوع أعمال عنف جديدة».
من جانبه، قال الخبير السياسي من جامعة ولاية إيلينوي في الولايات المتحدة، علي رياض، إنه في حال ساندت قوات الأمن حكومة تتميز بـ «حياد مثبت»، فإن الوضع «قد يهدأ». وأعلنت نقابات الشرطة أن أفرادها باشروا إضراباً الثلاثاء إلى حين ضمان أمنهم.
اقتصادياً، بعدما كانت بنغلادش من أفقر دول العالم، سجلت منذ 2009 نمواً اقتصادياً بمتوسط سنويّ يزيد على 6 بالمئة، وتخطت الهند عام 2021 على صعيد عائدات الفرد. غير أن المكاسب لم توزع بصورة متساوية، كما أن الاضطرابات ألحقت ضرراً بقطاع صناعة الملابس وتسببت في إغلاق المصانع عند اشتداد العنف.
وأفادت شركة هولا غلوبال لصنع الملابس التي تزود متاجر أميركية كبرى، بأنها نقلت جزءاً من إنتاجها. وسيتعين بالتالي على السلطات الجديدة العمل على طمأنة القطاع الذي يعد 3500 مشغل تمثل 85 بالمئة من أصل 55 مليار دولار من الصادرات السنوية في بلد يعدّ ثاني أكبر مصدّر للملابس في العالم من حيث القيمة الإجمالية بعد الصين.
وفازت حسينة في يناير بولاية خامسة بانتخابات غابت عنها أي معارضة حقيقية، وتم التنديد بنزاهتها. وأوضح المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، توماس كين، أنه «إن كانت حركة الاحتجاجات حظيت بدعم واسع، فذلك يعود جزئياً إلى أن بنغلادش لم تنظم انتخابات تشهد منافسة منذ 15 عاماً».
وتابع: «على الحكومة الانتقالية أن تتولى مهمة إعادة بناء الديموقراطية التي تمّ تقويضها بشكل خطير خلال السنوات الأخيرة في بنغلادش»، ولا سيما بوجود معارضة «ضعيفة ومنقسمة».
قضائياً، ومنذ سقوط حسينة، تم عزل قائد الشرطة وجنرال رفيع الرتبة، فيما بدأ إطلاق سراح الموقوفين خلال التظاهرات وبعض المعتقلين السياسيين، وسيطالب العديد من المتظاهرين بمحاكمة حسينة وحلفائها.
وقال كين إنه يتعين على السلطات الجديدة «إجراء تحقيق ذي مصداقية في الأحداث المأساوية التي جرت في الأسابيع الأخيرة».
وبعد تحذير زعماء الاحتجاجات الطلابية النهائي إليه وقضاة آخرين بالاستقالة بحلول الساعة الأولى بعد الظهر بتوقيت دكا، أعلن رئيس المحكمة العليا، عبيد الحسن، الذي ينظر إليه بوصفه أحد الموالين لحسينة، اليوم، أنه سيستقيل «من حيث المبدأ».