الكلام الثنائي أو المزدوج «دبل سبيك»، وليس الفكر المزدوج عند وليام لتز، هو اللغة التي يبدو أنها لغة تواصل مع الناس، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، هو لغة إملاءات وقمع، هو اللغة التي تجعل الرديء يبدو جيداً، والسلبي يظهر بالشكل الإيجابي، والقبيح يصبح جميلاً، هو لغة تمنع الفكر بدلاً من مد آفاقه، هو لغة التناقض بين ما يقال وما يترك دون أن يقال... هو لغة التنافر بين الكلمة والفكر.

جورج أورويل في رواية 84 أبدع في إظهار لغة الازدواج هذه، فوزارة الإعلام أو الأمن هي وزارة السعادة أو الفرح كما تسميها السلطة، تغلف السلطة كلامها الثنائي بعبارات جميلة منمقة، بينما واقعها مخيف ومرعب، لغة الازدواج ليست مجرد أفعال وأسماء متفق على مضامينها هي لغة التهافت، فما يقال مسألة والمقصود مسألة مختلفة... وهكذا يمضي وليام لتز في تشريح لغة كلام الازدواج بكتابه القديم الذي نشره عام 89، وما زالت أصداء الكتاب تنبض بالحياة في حياتنا العادية.

Ad

نقول «فلان رحل عنا» والمقصود أنه مات، نستعمل المجاز للتخفيف من قسوة الكلمة أحياناً، وفي أحايين أخرى نستعمل الكنايات وغيرها من عبارات المجاز للتضليل وتشويه الحقيقة، الرابط بين الدال (الكلمة) والمدلول (المعنى والفكرة) يتم التلاعب به لغرض في نفس صاحب الكلام، فمثلاً عند المؤلف وليام في عام 1984 أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها لن تستخدم كلمة قتل في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان في البلدان المختلفة، وستستخدم عبارات مثل «الحرمان غير القانوني والتعسفي من الحياة».

هنا لا نقول رسمياً عن المحرومين من الجنسية الكويتية «البدون» فهذا قد يسيء إلى سياسة الدولة، إذن لا بد من اختراع عبارة تتماشى مع دبلوماسية وإتيكيت الخطاب العام، فهم «المقيمون بصورة غير قانونية»، وهكذا يمكن قياس أمور كثيرة، سواء في خطاب السلطة العام أو في كلامنا الخاص.

كلام الازدواج له أشكال كثيرة، فهناك «جارغون» أي استعمال مصطلحات خاصة للفنيين والمختصين، فالأطباء مثلاً يقولون عندك «تومر سيئ» يعني سرطان الله يشفيكم، والمهندسون ورجال القانون أيضاً لهم عباراتهم الخاصة، فما يبدو بسيطاً يصبح معقداً ويطلب جهداً ومالاً عليك تحمل تكلفته... وفي مثال آخر تقول «وزارة الإعلام»، وهي وزارة لا توجد في غير دول الهيمنة القمعية، وكأن كلمة «إعلام» تعني تنوير الناس وزيادة ثقافتهم، بينما الإعلام المقصود هنا مراقبة الفكر وقمعه لأهداف سلطوية... أمور كثيرة في الكلام المزدوج... والطقس الآن جميل وبديع يمكنكم التسكع على الشواطئ الخلابة حتى تتلاشوا وتسيحوا من حرارة الفرح والبهجة... ويلا سيحوا يا ناس في دنيا السياحة الكويتية الجميلة لدينا.