بعد كارثة حريق المنقف المأساوية وما أتبعها من إجراءات حكومية نحو إزالة مخالفات العقارات الاستثمارية، ومنع تكدس العمالة في الشقق السكنية، شهد القطاع الاستثماري العديد من المتغيرات خلال تلك الفترة، فالقطاع بعد تلك الكارثة يكاد يكون مختلفاً تماماً، إذ شهد طلباً غير مسبوق على تأجير العقارات بالكامل من شركات لتسكين عمالتها، بعد الحملات التفتيشية التي قامت بها جهات حكومية لمنع تكدس العمالة في شقة واحدة.
وتوجهت الشركات التي تكدس عمالتها في عمارة واحدة، للبحث عن عمارات إضافية بهدف نقل جزء منهم، وأخرى تبحث عن شقق، بعدما كانت تسكنهم في مصانعها أو كانت مستغلة عقارات سكنية.
ذلك التوجه ساهم في رفع نسب الإشغال في القطاع الاستثماري، حيث أصبح الملاك يبحثون عن مثل تلك الشركات لتأجير عقاراتهم بالكامل عليهم، حتى أن لافتات شقق للايجار اختفت وكانت في السابق تملأ الشوارع.
ويفضل الملاك ذلك النوع من المستأجرين، إذ تتم دفع القيمة الإيجارية وفق عقود ربع سنوية أو نصف سنوية، وهذا يوفر سيولة كبيرة للملاك، إضافة إلى أنه ينهي حالات عدم دفع الإيجارات من بعض المستأجرين والمشاكل التي كانت تواجههم.
ولم يكن حريق المنقف السبب الوحيد في انتعاش العقارات الاستثماري، بل إن التوجه الحكومي نحو فتح تأشيرات الالتحاق بعائل، وبعض تأشيرات الزيارة لفئة الوافدين - المشغل الرئيسي لهذا القطاع - ساهم في ارتفاع الطلب على الشقق السكنية.
ويقوم العديد من ملاك العقارات الاستثمارية في الوقت الحالي بإزالة المخالفات في عقاراتهم، خوفاً من فرض عقوبات أو حدوث كارثة مشابهة لكارثة المنقف، إضافة إلى أن العقارات المخالفة لا يتم بيعها، لعدم خروج شهادة أوصاف، إضافة إلى إلغاء الوكالة العقارية التي كان يسمح من خلالها بتحويل العقارات المخالفة.
نسب الإشغال
وقد مر القطاع العقاري بالعديد من الأزمات، كان آخرها جائحة كورونا، التي تسببت في تراجع نسب الإشغال إلى مستويات متدنية، مما ساهم في انخفاض الطلب عليه من المستثمرين، إذ وصلت إلى ما دون 80 بالمئة.
ويشير العديد من العقاريين إلى أن نسب الإشغال في الوقت الحالي تتراوح بين 85 و87 بالمئة، وقد تتجاوز نسبة 90 بالمئة، خلال الفترة المقبلة، وهذا بطبيعة الحال سينعكس على مستويات الطلب من قبل المستثمرين، وأيضاً على القيم الإيجارية.
ويؤكد كثير من المختصين أن عودة نشاط القطاع الاستثماري ستنعكس إيجاباً على أسعار القطاع السكني، التي شهدت قفزة قياسية خلال السنوات الماضية، حيث إن العديد من مستثمري الأول، اتجهوا للاستثمار في الثاني، مما خلق نوعاً من عدم التوازن في القطاع كله.
تداولات القطاع
وبلغت تداولات القطاع الاستثماري خلال عام 2023 نحو 831 مليون دينار، بعدد 1149 صفقة «عقوداً ووكالات»، فيما بلغت خلال النصف الأول من عام 2024 ما قيمته 450.9 مليونا، بعدد 509 صفقات، مقارنة بـ 457.5 مليوناً، بعدد 589 صفقة، أي بتراجع نسبته 1.4 في المئة.
وبلغ متوسط القيمة الإيجارية للشقة المكونة من غرفتين وصالة مساحتها 60 متراً على مستوى المحافظات 285 ديناراً، خلال الربع الأول من 2024، بارتفاع نسبته 2.4 في المئة، عن الفترة ذاتها من 2023.
وأشارت العديد من التقارير الصادرة عن جهات اقتصادية إلى أن الإقبال على العقارات الاستثمارية بدأ ينتعش مرة أخرى، على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، وسط التوقعات الأكثر إيجابية، نحو فتح كروت الزيارة والتأشيرات للوافدين.
ويعاني القطاع العقاري من الفوضى وعدم التوازن بين القطاعات، حيث إن «الاستثماري» أخذ دور قطاع التخزين، وتم تحويل العديد من السراديب إلى مخازن، فيما أخذ العقار السكني دور الاستثماري، وتم تحويل العديد من المناطق النموذجية إلى سكن وافدين وعزاب.
ويطالب المختصون وملاك العقارات بتنظيم القطاع، وفرض عقوبات على المخالفين، إضافة إلى طرح مزيد من الأراضي لكل القطاعات، حتى لا يكون هناك نقص يؤدي إلى آثار سلبية على المستثمرين أو أسعار المنتجات التي تصل إلى المستهلك.