إيران: غموض سياسي بعد عرض بزشكيان تشكيلة وزارية غير متجانسة
الأصوليون يتعهّدون باستبعاد 6 وزراء من أصل 19
• الإصلاحيون وجدوا أنفسهم أمام حكومة رئيسي الثانية
قبل يوم واحد من انتهاء المهلة القانونية، قدّم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أمس، تشكيلة حكومته، على أن يبدأ مجلس الشورى (البرلمان) بدراستها والتصويت لمنح وزرائها الثقة ابتداء من السبت المقبل.
وفي وقت تهدد إيران بردّ على إسرائيل، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، وتواجه احتمال الانزلاق إلى حرب واسعة، قالت مصادر سياسية إيرانية إن الحكومة المقترحة وُلدت ميتة، وستكون عقيمة، وهي غير قادرة على معالجة التحديات التي تواجهها البلاد، والتي يمكن أن تدخل مرحلة من الغموض السياسي في ظل صراع مراكز النفوذ، خصوصاً بعد أن تسببت وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في خلط الأوراق بمسألة خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي.
وفور الإعلان عن التشكيلة، التي ضمت أسماء كانت متوقعة مثل وزير الخارجية عباس عراقجي، وأخرى غير متوقعة، برزت انتقادات لها من شخصيات في التيار الإصلاحي، الذي دعم بزشكيان للوصول إلى الرئاسة، فيما لم تلقَ أي ترحيب من التيار الأصولي، رغم نيله حصة وزارية تصل إلى نصف عدد الوزراء.
ورشّح بزشكيان الدبلوماسي المخضرم عراقجي لوزارة الخارجية، واختار لـ «الداخلية» إسكندر مؤمني، وهو ضابط سابق في الحرس الثوري وقائد سابق للشرطة، ولوزارة الدفاع القائد السابق للقوة الجوية في الجيش، عزيز نصير زاده، لكنه أبقى على إسماعيل خطيب وزيراً للاستخبارات، وهو الذي كان يتولى الوزارة نفسها في حكومة رئيسي، وذلك رغم أنه يُعد المسؤول السياسي عن الاختراق الاستخباري المتمثل في اغتيال هنية.
وطرح الرئيس اسم الحاكم السابق للمصرف المركزي، عبدالناصر همتي، لوزارة الاقتصاد والمال، وسمّى فرزانه صادقي لتولي وزارة الطرق والتنمية الحضرية، والتي في حال نيلها الثقة، ستصبح ثاني امرأة تشغل منصباً وزارياً منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
وأكد مصدر قريب من الرئيس الإيراني أنه اضطر إلى اختيار هذه التشكيلة في محاولة لنيل ثقة البرلمان الذي يسيطر عليه الأصوليون، لكنّ النائب حسينعلي دليكاني، وهو أحد النواب المتنفذين في التيار الأصولي، قال إنه يعتقد أن 10 وزراء من أصل 19 مقترحين هم على الحافة من نيل ثقة النواب، وأن 6 وزراء على الأقل قد لا يحصلون على تأييد المجلس.
من جهته، انتقد رئيس حملة المرشح الرئاسي الخاسر سعيد جليلي الانتخابية، وأحد زعماء تيار الشباب الأصولي، النائب أمير حسين منفرد، تشكيلة الحكومة، ووصفها بأنها غير متجانسة، داعياً النواب إلى عدم تمريرها.
وشعر العديد من الشباب الذين أيدوا بزشكيان بخيبة الأمل، خصوصاً أن متوسط أعمار الوزراء يزيد على الـ 60 عاماً، في حين أن الرئيس المحسوب على الإصلاحيين وعد بتشكيل حكومة أكثر من 60 بالمئة من أعضائها من الشباب.
وقال محمد علي أبطحي (رئيس مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي)، الذي قال سابقاً إنه يدعم أي حكومة يقدمها بزشكيان، إنه ما زال يدعم الرئيس المنتخب، لكنّه تساءل عما إذا كان بإمكان الأخير الدفاع عن تشكيلة حكومته أمام الذين انتخبوه، أو إذا كان يعتقد أن هذه الحكومة ستتمكن من العمل.
وأكد مصدر مقرب من بزشكيان أن بعض الشخصيات الإصلاحية أو الوسطية، مثل وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي عيّن نائباً للرئيس للشؤون الاستراتيجية، ورئيس مكتب الرئيس محسن حاجي ميرزايي قررا تقديم استقالتيهما احتجاجاً.
وكان عدد من النواب المحافظين المتشددين قد طالبوا بزشكيان بإقالة ظريف من منصب نائب الرئيس، مقابل تمرير الحكومة في البرلمان، وانتشرت شائعات مفادها أن استقالة ظريف قد تكون محاولة لتمرير الحكومة، على أن يُعاد إلى منصبه لاحقاً، إلا أن هنكامه شهيدي (إحدى الشخصيات الإصلاحية المعروفة) هددت بوقف كل التعاون بين بزشكيان والإصلاحيين في حال تبيّن أن استقالة ظريف جاءت احتجاجاً على التشكيلة الحكومية، وفي حال تم قبولها.
وعملياً لم يعيّن بزشكيان أياً من الشخصيات الإصلاحية التي دعمته في الحكومة، باستثناء ظريف الذي تم استحداث منصب له، ومن غير المعلوم إذا كان دوره مؤثراً في عمل الحكومة أو شكلياً.
ووصل الأمر ببعض الإصلاحیین إلى نشر تغریدات ومنشورات في وسائل التواصل، معتبرين أن حكومة بزشكيان هي حكومة (الرئيس الراحل إبراهيم) رئيسي الثانية.
ويبدو أن محاولة بزشكيان حمل العصا من المنتصف أغضبت كل التيارات السياسية، وفي كل الأحوال، فإن معظم الآراء في المجتع الإيراني متفقة على أنه حتى لو منح النواب الثقة لجميع وزراء الحكومة، فإن هذه التركيبة غير المتجانسة من الصعب جداً السيطرة عليها، ومن الصعب أن تكون قادرة على العمل وحلّ مشاكل الناس، وسوف يقضي الوزراء وقتهم في التناحر داخل الحكومة.